الخميس، 29 ديسمبر 2011


طفـح الكيـل

  أثناء الثورة المصرية خرج الرئيس المصري المخلوع حسني مبارك في إحدى خطاباته الشهيرة بقوله أن الكيل قد طفح به مما يحدث وفي اليوم التالي خرجت علينا احدى الصحف بعنوان اقتبسته من هذه المقولة ومن الوضع في الميادين فعنونت صفحتها الرئيسية (رئيس طفح به الكيل ولم يرحل وشعب طفح به الكيل ولم ييأس) ومنه جاء مطلع هذه القصيدة وعنوانها :



طفح الكيل

طفح الكيل سيولا من غضب           تتهادى في شموخ وصخــب

تغسل التاريخ من أدرانـــه             وتعيد اللون في وجـــه شحب

تزرع الارض سناء وسناً               وتحيل الافق غابـــات لهب

وهجها يجتاح ليلا بائســـا                 طـال حتى قد ظننــاه وجـب

قد تولى نسجه من حولنا                كل أفــاق على الحـكم غلــب

نصبــوا أنفســـهم آلهـــة                طالبين الخلــد في دار العطب

        زرعوا الارض شقاءً وعنا               وزنازينـــا ورعبـــا وكــذب

         فإذاالأيـام ســجن كــالحٌ               وإذا الأحــلام جـــرم لايُجـبّ

وإذا التاريخ يبدو حـــائرا               وعلى سيمـــــاءه لاح العجـب

هــذه الأرض لها أبطالها               لهم المجـــــد قديمــــاً ينتســـب

كــــيف لانـــوا خـــلــــف جـــــدرانٍ مــن الخــــــوف سنينـــا وحـقـب

جـــــاوبوه حين هبّــوا هبةً             تطــــرد الأوهام رغماً والريب

تونس الخضراء قد خطـت لنا          درب عـــــزّ من تقفــاه كســـب

أوقـــدت شعلتهـــــا وانطلقت           صنع شعب غادر الخوف وهب

سنّ للأقــــدار شـرع واجب            إن أراد الشــعب أن يحيا يُجَب

 ثـــورة للياســـمين أينـعت              فوحها كان شرارا يلتهــــب

فإذا الاوثان تهوى من عــلاً            وإذا الليـــل فلولٌ تنسحـــــــب

 وانبـــرت أم الدنا متئــــدة          تنســج الصبر خيوطا من غضب

ومــلايين الأيــادي الحانية             تمسح الأوجاع عنها والتعب

هم بنوها حين ثاروا نخوة                فإذا الميــادين هديرٌ مستحب

وإذا الأزهـــر نــورٌ ساطعٌ             وإذا التحـــرير يأتي بالعجــب

وإذا الأهــرام عطـرٌ عابقٌ             وإذا النيل شــرايين تصــــــب

زخمٌ يجتث خـوفٌ ضاربٌ             في الخلايــا والحنايــا والعصب

      زخمٌ يجتــاحهـا في نشـــوةٍ           يغزل الأرواح والمهجــات حب
      
     ينهمــر في كل ميدان وفي           كل دربٍ .. نبــــــض ثوارٍ يثب
       
     وثبـات لها نصلٌ قاطــــــع           تبتر الطغيــــــــان إن البتر طب

      ترسل المعنى الى أهـل النهى       ويعيهــــا كـل ذي قـــلبٍ ولبّ
     إن سيـل الحـق يعلو هادراً           فاستفيقي يا قيــــــــادات العرب

      طفح الكيــل ولم يبقى سوى         بعض صـبرٍ ونرى الليل هرب


                                              محمد مصطفى بن زيادة – طرابلس\فبراير2011 

الاثنين، 5 ديسمبر 2011

ازمة المثقف العربي والثورة الليبية


أزمة المثقف العربي والثورة الليبية

بقلم: صالح بن عبدالله السليمان*

كان يا ما كان. في زمن من الأزمان. ولكن بخلاف العادة، لم تكن من قديم الزمان بل كان في هذا الزمان وقبل أقل من أربعة أشهر. كانت دولة عربية مختفية عن الأنظار. لا أقول عن أنظار العامة. بل عن أنظار النخبة المثقفة. كنا نمر عليها أثناء النظر إلى الخريطة. فتتخطاها عيوننا .

تتجه الأنظار إلى مصر فهي أرض الكنانة. ثم تقفز العيون والأفكار إلى تونس الخضراء نتذكر أحمد شوقي و الشابّي. ونتذكر تونس العاصمة والقصبة وحركة التحرر وأبو رقيبة. ونتذكر أحمد عرابي والنحاس باشا وعرابي. نتذكر من هذه ومن تلك. نقرأ عنها ولكن ما بينهما مختفي خلف ستارة، لا نعرف عنها إلا أشياء بسيطة، أشياء لا تذكر، أكاد احصرها في عمر المختار وعاصمة أسمها طرابلس ويرأسها معمر القذافي .

لا تزيد عن ذلك. لا نعرف لها تاريخا ولا جغرافيا، لا نعرف لها شعبا ولا عادات حتى اللهجة لم نعرف من كلماتها إلا كلمة واحدة “باهي".

أما رئيسها (أستعمل هذه الكلمة لأني لم أجد كلمة أخرى نصف علاقته بالدولة ). فهو ملء العين والأذن. صوره تملا كل مكان وأفعاله تملا كل أذن. نعرف أن هذا الزعيم متقلب المزاج. أفكاره متطرفة غربية. كنا نتضاحك على ما تتناقله وكالات الأنباء من أقوال أو أفعال. خرج للدنيا بأفكار غريبة لا لون لها ولا طعم وسطرها في كتاب أسماء الكتاب الأخضر، وبنظرية أسماها النظرية العالمية الثالثة. ولا أعلم لماذا سماها الثالثة. هل ليقارع بها الرأسمالية والشيوعية ؟ ولكن أين الاشتراكية أين المادية، أين الإسلام الاقتصادي والسياسي . هل سقطوا من حسابه؟ نظرية نعلم عنها، أنها تثبت أن الرجل رجل وأن المرأة امرأة. وأن الذكر غير الأنثى. وأن من تحزب خان. ولكن نسى قوله تعالى "ألا إن حزب الله هم الغالبون"، أقر رب العالمين بوجود أحزاب. نعرف أزياءه الغريبة. أزياء بكل لون وكل شكل. بعضها شاهدنا مثيل لها وبعضها غريب. عرفنا حارساته الأمازونيات وراهباته الثوريات. عرفنا عنه الكثير. ولكننا لم نعرف الدولة التي يحكمها .

لو سألت أي مثقف عربي أن يكتب لك مقال عن هذه الدولة. لاضطر إلى العودة للكتب يبحث بين طياتها بعض أخبار تلك الدولة ولن يجد عنها الشافي من المعلومات إلا ما يخص مرحلة ما قبل انقلاب القذافي العسكري. أما بعد ذلك اختفت الدولة في عباءة رئيسها فكل شيء هو، وكل عمل هو، هو المهندس وهو المفكر وهو الفيلسوف وهو العالم وهو المنظّر . لذا لو طلبت إلى أي كاتب عربي كتابة مقالات وليس مقال عن رئيسها. لكتبها كلها من ذاكرته.

لقد أخفى ذلك الرئيس تلك الدولة خلف عباءته. لا نرى منها إلا هو ولا نسمع عنها إلا هو.

ثم فجأة يخرج مارد من قمقمه .

وإذ بذاك الرئيس ما كان إلا قمقم يخفي ماردا، مارد علمنا كم هو قزم ذلك الرئيس. وعلّـمنا أول ما علمنا أن ذاك ليس رئيسا. ولا يحمل أي صفة رسمية. فهو دعيّ. وإذ بالمارد خلال أيام يعلّمنا من هي ليبيا. وجلسنا في محراب المارد نتعلم منه ما لا نصدق أننا جهلناه، ولم نحلم أنه كان موجودا طوال الوقت. يعلمنا أننا جهلة ويجعلنا نقولها بدون خجل. يعلما أن هناك مدنا مثل طبرق والبيضاء. وإن هناك مصراته والزاوية. إن هناك جبال منها غربي ومنها أخضر. لقد جعلنا هذا المارد نعرف أين " البريقة " و "راس لانوف " وإن بينهما " العقيلة " .

أعذرينا يا ليبيا. نلتمس منك أن تصفحي عنا، وها هي دموعنا تسيل حسرة على زمن مر علينا. زمن لم نعرفك فيه. لقد دفعت ضريبة الدم يا " مصراته " لكي يعرف العرب والعالم إن هناك مدينة أسمها "مصراته "، أعذرينا يا " الزاوية ". فمهما أرقنا من الدمع فلن نغسل أثم يوم لم نعرفك فيه. اغفري لنا يا ليبيا، اغفري لنا يا ليبيا، فلم يجرم بحقك فقط رئيس لم يحكم. وقائد أجرم بحق بلده وأهله لم يكن هو المخطئ والآثم فقط. بل نحن اشتركنا معه في الإثم. كنا نتندر على مواقفه ونستغرب من أفعاله. وننسى أنه يتلاعب ببلد عربي وشعب أبّي. كنا كمن يشاهد مسرحية كوميدية نضحك ونتندر، ولم ننتبه إنها ليست مسرحية بل حقيقة يعيشها شعب .

ذلك المارد، لم يعلمنا جغرافية ليبيا فقط. عرفنا تاريخها وعرفنا أبطالها وأنهم ليسوا حصرا على شيخ المجاهدين عمر المختار بل عرفنا إن في ليبيا الكثير ممن لا يقل عنه جهادا وبطولة عرفنا " أحمد الشريف السنوسي " . و " رمضان السويحلي " , عرفنا " صالح لطيوش " وأبطال كثيرون . أبطال قالوا "نحن لا نستسلم". وآخرون قالوا "دمي رايب عند الشايب"، اعذرونا إن لم نذكرهم. ليبيا عرفّتنا إنها أرض المجاهدين. أرض أنجبت أبطال على مر التاريخ.

عرفنا فجأة إن هناك علماء ومفكرين وكتاب وأدباء ليبيون. هم أكثر من أن أحصرهم. فجأة وبدن مقدمات ظهروا أمامنا. وكان أعيننا عشت عن رؤيتهم سابقا. يا إلهي كيف مرت العقود ونحن لا نعرف هؤلاء؟؟.

كيف لا نعرف مصطفى عبد الجليل الشيخ التقي الذي وقف للظالم في عنفوان جبروته وقال له "لا أريد أن أكون جزء من دولتك"؟. كيف لم نعرف محمود جبريل، الدبلوماسي المحنك . المدرسة التي يجب أن يتعلم فيها الكثير من الدبلوماسيين ممن هم ملء السمع والبصر؟. فالمارد عرفّنا إن في هذا الشعب كنوزا في كل المجالات، ولكنها كانت مختفية خلف ذلك الأفاك الدعّي.

ولكن أهم ما عرفنا في هذه المفاجئة التي أذهلتنا جميعا. عرفنا " الليبيين". شعب التحدي والصمود. شعب لم يكتفي بعمر المختار فكان فيه الآلاف من عمر المختار. لم يكتفي ب رمضان السويحلي فكان فيه الآلاف من " رمضان السويحلي". ولم يكتفوا بذلك بل أظهروا لنا أمثلة جديدة تنير تاريخنا وتزيّنه. أضافوا دررا في تاج العرب يندر مثيلها. أعطونا بطل ولد من رحم الأمة: أعطونا البطل "المهدي زيو". أعطونا أبطال يعجز القلم عن وصفهم من أمثال " محمد نبوس" فارس الإعلام، و صقر السماء العقيد "فخري الصلابي " والكثير الكثير فإذا أردت أن تعرف عدد أبطال ليبيا اليوم وجب عليك إحصاء سكانها. فكل ليبي بطل وتحت كل سقف في ليبيا هناك أبطال...

أشكرك يا ثورة السابع عشر من فبراير. أعدت إلينا بلدا.. لله كم افتقدناه. وأعدت لنا أخوة لله كم كنا نجهلهم ... وكانوا أعظم و أجل من أن يجهلوا.

ولله لتحبّر فيك يا ثورة السابع عشر من فبراير أسفار تلو أسفار...

اعذرونا أخوتنا إن كنا نخطئ في لفظ اسم، أو نقع في خطأ في موقع... فما زلنا نتعلم في محراب ليبيا.. وسنبقى نتعلم منها..

*مفكر وكاتب مسلم عربي سعودي

الخميس، 1 ديسمبر 2011

ملحمة شعب


على دموية الوقائع وفظاعتها كنا نستيقظ  , وبين الخوف والرجاء كنا نُمضي نهاراتنا العصيبة وليالينا المسهدة , أكف الدعاء مرفوعة وسواعد الدعم ممدودة وجروح الالم مفتوحة , في كل يوم نفقد أحبة وأقرباء تلتهمهم قضبان الظلم وبنادق الطغيان ولاندري من سنفقد غدا ومن سندفن بعد غد , حينها كانت الثورة مازالت تحبو عودها طري وطريقها مفتوحة على كافة الاحتمالات , حينها كانت مدينة بنغازي تحتضن براعم الثورة تمنحها التوهج وترسم خطوات النصر وحولها كانت مدن الشرق ملتفة تمدها بالانفس والارواح والمهج .. حينها كانت مدينة الزاوية كالجمرة المتوقدة  إن أمسكها  النظام أحرقته وأن أطلقها أنهكته وكانت مدينة مصراتة تنزف ألما ودماء وتشع مجدا وشجاعة تحمل العبء الثقيل لتبقى ليبيا واحدة موّحدة .. كانت مدينة الزنتان تحمل شعلة النضال تشعل بها أروقة الجبل وترمي شراراتها في كل مدينة لتلتهب تحت أقدام الطغاة , وكانت مدينة طرابلس عندما تهتز ترتعش أركان النظام الصدئة وكانت ليبيا كلها تئن تحت القضبان تلملم الامال والالام لتنسج درب خلاصها ....... في تلك المرحلة كتبت هذه الكلمات ولأبطال تلك المرحلة في ليبيا كلها أهديها : -

ملحمة شعب

على دروب الندى تمضي عزائمنا         جذلانة فوق نهج الحق تختال

تسمو على قمم الأمجاد شامخة            تظل تُضرب في التاريخ أمثال

تقدم القرابين في محراب عزّتها           ويكتسيها شعاع الفجر سربال

تنشر عبير فخار حيثما اتجهت             يعلو به النصر في الآفاق موّال

فواحة انت  يادنيا إذا اجتمعت             في بردتيك أهازيج وآمـــــال

وعزم شعب أبّي ليس يرهبه          بغي الطغاة ولا اسـتـئـساد تنبال

قد كابد الظلم والطغيان مصطبر ا         لعلّ للصبر بعد الحال احوال

وأنهكته صروف ليس يعبرها              الا حليمٌ قـــوي العــزم حمّال

هي  أربعون من الأعوام كالحة            فيها ترى البغي والطغيان صوّال

فيها النوائب ماانفكت تداهمنـا             قهــــر وغبن وبهتــان وإذلال

فتنبت الأرض قضبانا وأقبيـــة             تختـــال فيها مهاميز وأغـــلال

تغتال نسج الرؤى من قبل مبعثها         وتخنق النور أن يسري وينثال

هي أربعون من الآلام مثخنــة             بكل نزفٍ عميق الجرح قتّال

فكــــل دار بها فقـدٌ يؤرقهـــــا            وكل نفسٍ لها من حزنها حال

وكل حبة رملٍ في مرابعهـــــا             لهـــا حين تلمسها أنٌّ وتصهال

تكاد تنبئك أن الداء منتشــــر              وأنــه موشكٌ أن ينقض زلزال

حتى إذا مرّ من فبراير الشطر             مرور غيمٍ سريع الخطو هطّــــال

ولاح في الافق الشرقي بارقةً              وضّاءةً فوق ماوصفوا وماقالـــــوا

هبّت مدينة بنغازي على وعــدٍ             قاماتها تشعل المجد والتاريخ إشعال

فيكتوي بلظـــــاها كل طاغيـــةٍ            ويهتدي من سنا نورها أمم وأجيال

وتلبس الأرض مانسجت أناملها           وفي حماها يصوغ الفجر أبطـــال

وقام في إثرها من كل نــاحيةٍ              فرسان برقة من طبرق إلى جالـــو

يتســابقون الى أبواب عزّتهم              إن الكـــــــريم لدرب العزِّ ميّــــــال

وجاوبتهم من الزنتان عاصفة              زلزالهـا يرتقي للشـمس أرتــال

ينهال فوق عروش البغي يدحرها         ياويح باغٍ إذا هبّــوا أو انهالـوا

لهم قلوب يخاف البغي سطوتها            ويسطع الحق إن نطقوا وإن قالوا

وفي ذرى الزاوية لاحت بشائره           نصر يطل وموج الموت غــوّال

هم أجّجــوه بأرواحٍ وأفئــــدةٍ              وعانقــــوه وللآجـــال إقبــــال

رجال صدقٍ إذا ماعاهدوا صدقوا                   ومن لك بصدوق العهــد فعّال

وحين يشتد موج البأس ملتطما            فإن فيهـــا لنا درعٌ وسربــــال

مصراتة المجد ماتنفك تبهرنا              على جفون الردى تمشي وتختال

تنقش على جبهة التاريخ ملحمة          يكتظ فيها بطولات وأهــــــــــوال

الراسمون الخطى والنصر يتبعهم         هم الشوامخ ما وهنوا ولامالــوا

جدعوا أنوف طغاة قد حسبناهم           لايجدعون وحال الظلم ختّـــــال

وفي طرابلس حيث الموت أغنية           في كل ناصية تسطوا وتغتــال

لما تململ منها الصدر وانتفضت           فإذا النظام أكاذيب وأسمـــــال

هي العروسة مهما البغي كبّلها            فيها اللقاء وإن طالت بنا الحال

من هاهنا يرتدي التاريخ رونقه            من هاهنا تسطر الأمجاد أجيال

من هاهنا تلبس الدنيا نضارتها             ويكتسي الارض إكبار وإجلال

لثائرين إذا هبّـــوا رأيتهمـــوا             في كــل أفقٍ لهم عرسٌ وموّال

يسعون شوقا لحمراءٍ مضرجة            والشوق أغلب مهما قال عذّال

فالآن حان قطافٌ طالما انتظرت            بزوغ نجمــه أحــلامٌ وآمـــال

فلا تولوا فإن النصـر مرتهـن              بصبر ســاعة لايجلبه معجــال

ونحن قوم لنا في شيخنا مثـل              نصرٌ أو الموت دون الحق منوال



            محمد بن زيادة \ طرابلس \ ابريل -2011

الأربعاء، 26 أكتوبر 2011

ابوسليم وفرسان الضلالة


  
كانت مفاجأة من العيار الثقيل عندما أحضر لي أخي الأصغر علي هدية ثمينة لم تكن متوقعة وهي عبارة عن قصيدة (عنوانها اليكم يافرسان الضلالة) والسبب في أن عيارها ثقيل وأنها ثمينة هو أن مؤلفها هو أخي مؤيد السجين حسب معلوماتنا في حينها  داخل سيئ السمعة والذكر سجن أبوسليم وقد تحصل عليها أخي علي من احد رفاق مؤيد في السجن (اعتقد أنه من مدينة الزاوية) وكان ذلك قبل أن يأتينا خبر وفاته خلال جريمة 1996 وقد احتفظت بها كتذكار غال من أخي العزيز الذي غيّبه عنا جور الحكام وظلمهم الذي أثكل النساء ويتم الاطفال وزرع الالم والحرقة والدموع في كل بيت ودار ولتبيان القصيدة وقصتها نبدأ بالتعريف بصاحبها.
مؤيد مصطفى بن زيادة من مواليد 1968  ولد بمنطقة ابي ستة قرب جامع ابو كميشة القديم حيث كان منزل العائلة الذي التهمه القانون رقم 4  (حيث تم الاستيلاء عليه وضمه الى مبنى الضمان الاجتماعي الموجود بالمنطقة والذي كان قبل ذلك مقر لشركة الالعاب)  ) بعد ذلك انتقلت الاسرة الى منطقة الهاني حيث ترعرع مؤيد فيها ونال الشهادة الابتدائية والاعدادية من مدرسة شهداء الهاني ثم التحق بمدرسة سوق الجمعة الثانوية في منتصف الثمانينات من القرن الماضي وقد تخرج منها بتقدير ممتاز في مجال الدراسة مع تقدير كافة زملاءه ومدرسيه لإلتزامه وأخلاقه وتفوقه وبعد إنهائه للمرحلة الثانوية وحصوله على الشهادة بامتياز التحق بكلية الطب البشري بجامعة طرابلس وهناك شمر عن ساعديه وثنى ركبتيه لطلب العلم والحصول على الشهادة المطلوبة وكلنا يعرف طبيعة الدراسة بكلية الطب وما يتطلبه من وقت وجهد وتفرغ كامل للدراسة وترك ماسواها وزملاء دفعته يعرفونه ويعرفون جده ومثابرته والتزامه ولن أطيل عليكم بذكر مناقبه ودماثة خلقه وذكائه فزملاءه وجيرانه وأقاربه أفضل مصدر لمن أراد أن يستزيد .
عند إنهاء مؤيد للسنة الثالثة من دراسته الجامعية بكلية الطب واستعداده للالتحاق بالسنة الرابعة وكان ذلك في شهر 9 سنة 1990 هجم على بيتنا بمنطقة شهداء الهاني زوار الفجر من الأجهزة الامنية والثورية المتغولة والمستأسدة في تلك الفترة حيث كانت مجرد صلاتك للفجر بالمسجد تهمة قد تفقد جراءها حريتك وحياتك(خاصة اذا كان هذا المسجد هو مسجد الهاني الذي كان في حينها  مراقبا بالف عين وأذن من الاجهزة الامنية المتخمة بالمجرمين الجهلة والقساة) وأخذوه مقيدا أمام عائلته بعد أن فتشوا البيت وقلبوا عاليه سافله وأخذو معهم ما وجدوا من كتب وأوراق وغيرها ومن هناك إلى سيئ السمعة سجن أبي سليم وهناك لاقى مالاقى من عنت واضطهاد وقهر وتعذيب  وتهم جاهزة تم توزيعها عليه وعلى رفاقه.
 وهناك داخل السجن احتك السجناء ببعضهم على اختلاف مذاهبهم وأفكارهم ويبدو أن مؤيداً قد احتك خلال هذه الفترة ببعض المساجين من معتنقي الافكار التكفيرية ولأنه مواطن ليبي بسيط وذو تفكير سليم وحس نقي لم يتشوه رغم ماتعرض له خلال سنوات السجن حيث لم يستسغ الطرح الذي تطرحه المجموعة المذكورة من تكفير واتهام للناس بالخروج عن الدين فرد عليهم بقصيدة عنوانها (إليكم يا: فرسان الضلالة) سفه فيها طريقتهم في التفـــــكير وحذرهم من مغبتها في الدنيا والآخرة وأنكر عليهم استسهالهم تكفير الناس والعلماء وشبههم بالخوارج في حينهم . وأنا إذ أعرض هذه القصيدة عليكم  لاأحاول عرضها  لمناقشة الجوانب الفنية واللغوية فيها فلذلك وقته وأهله ورجاله ولكن أحاول عرضها كمثال عام على طريقة تفكير معظم الشباب الليبي الملتزم دينيا خلال تلك الحقبة المظلمة من تاريخ ليبيا ولبيان أن معظم من تم الزج بهم في السجون لم تكن لديهم أي ميول للعنف أو تكفير المجتمع أو الحكم وإنما أخذوا ظلما وعدوانا في فترة كان فيها سجن أو قتل امرئ مسلم برئ يساوي قتل بعوضة حيث كانت الاجهزة الامنية والثورية والسجون تحت سلطان أناس ظلمة لايخشون الله ولايهمهم إلا بقاء سلطانهم وتسلطهم ولو باختراع القصص  والتقارير والتهم على حساب الابرياء يعملون خارج اطار القانون وبدون ضوابط كأنهم حاطب ليل كل ذلك لإثبات همتهم ونشاطهم وولاءهم للنظام الظالم ولو على حساب الابرياء وكذلك لإخافة النظام من أجل ضمان استمرارهم والحصول على المكاسب التي يسعون لها .
    إننا إذا أخذنا المعاني والمفاهيم الدينية المدرجة في هذه القصيدة للإستدلال بها على تفكير مؤيد ومذهبه وطريقة تفكيره الديني (وهذا ينطبق على معظم رفاقه) ثم ذهبنا وأخذنا أوراق التحقيق الذي أجري معه  في   السجن وماوصل اليه المحققون والتهم التي وجهت إليه لاكتشفنا الفارق البعيد والبون الشاسع والظلم الفادح الذي وقع على هؤلاء الشباب.       
   وأخيرا وللأسف الشديد فإن مؤيد مصطفى بن زيادة وأمثاله من الشباب الليبي البسيط النقي الناصع   الايمان تم  تجميعهم عام 1996 في باحة سجن ابي سليم وقتلهم في مذبحة رهيبة تعتبر من أشنع الجرائم في القرن العشرين راح ضحيتها 1269 شاب من خيرة شباب ليبيا فقط لانهم طالبوا بالحد الادنى من حقوقهم .
 ولقد ظلت هذه الجريمة مثل الجمرة المدفونة تحت الرماد  تقض على الطاغية مضجعه وتستفز    نخوة الليبيين في كل ذكرى أو مناسبة الى أن قدر الله زوال ملك هذا الطاغية على أيدى شباب ورجال أشاوس وحرائركريمات فالحمد لله وله الامر من قبل ومن بعد.
                                                                                  محمد بن زيادة- طرابلس


                                                                   اليكم يا: فرسان الضلالة
               مطــــايا الهدى جدُوا المسير وصـــــابروا        فلا اختلطت بالســـــــــــالكين المعــــــابر
              فــإن المنــــــــــــايا يرتقبن عوابســـــــــا        ألا والمطـــــــــايا والحـــــــوايا ضوامـــر
               دليلي كــــــتاب الله والحــــــــق غــــايتي         وقول رســــــولي نجـــــم من هــو حـــائر
                 فيارب نجـــــــيني وكــــن في هــــــدايتي         وكفّـــــــر ذنــوبي أنت للـــــذنب غـــافـــر
                ومن قطـــــع كالليل جـــــــلُ مخــــــاوفي         مــــــــن الفتن الظلمـــــاء تعمي البصـائر
               وأخوف خوفي من ســــراب الهــــوى إذا         تتبعتـــــــه يــانفـــــس والعزم خــــــــــائر
               ولاتخش قطـــــــــــاع الطــــــــريق فإنه         طــــــــريق الهدى قــد داهمته المخاطــــر
               وقطــــــــاع طـــــــرق الحق كثر وكلهم        يرومـــون كـــــتم الحـق والحــق ظـــــاهر
               فلا تخشــــــهم وامض فسيفـــــهم الهوى         وسيفك هــــــــــــدي .. إن سيفــك بـــــاتر
               أيــــا فارس الغيّ المبين ورهطــــــــــه         وكــــــل غــــــويّ ألجمتـــــــــــه الجرائر
               رميت عبــــــــــــاد الله بالكفـــــــــر كلهم        فيـــــــارب فاشهـــــــد ما أنا بك كــــــــافر
               أأكفـــر ربي وهو ربي وخـــــــــــــــالقي       وهل ينكــــــر الرحمن من هو بــــــــــاصر
                له نســــــــكي وله صــــــلاتي وقبلتي         ومـــــن غير ربــــــــــي لي معين ونــــاصر
              فمهلا أخـــــــي مهلا فزعمك منكــــــر        وقولك مدحـــــوض وحكمــــــــك جـــــــائر
              بـــــــأي كتاب أم بأيــــــــة ســـــــــنة         تــــــــرى كفرنــــــــا حــــق؟ وجهلك ظاهر
            أم أنــــــــك تبغي أن تبين لنــــــا الذي      خفـــــى من كتاب الله والحــــــق بــــــاهر
              لزعمك أنك في العقيـــــــدة عـــــــالم         لكالمــــــــدعي الأبنـــــــــــاء من هو عــاقر
              رميت عبــــــــــاد الله بالكفـــــر كلهم         فــــــــــلم تــبق ذا ذنب ولم تـــبق طـــاهر
            فويحــــا لكم ويحــــــا وثان وثالــــث        وويحــــا لكم ويحـــا وويحـــــا وعاشــــر
              رمـــــيت عبــــــاد الله بالكفـــر معتد       عـــــــلى المعتدي فاعــــــلم تدور الـــدوائر
             فانهــــــــــا تـــــرقى ثم تحصى وتكتب       فــــــــــإن ينج نــــاج بـــــاء بالإثم آخر
              وتحســــــــب انك في العقيدة صائـــر         الا اعلم فانك في العمـــــــاهة ســـــــــائر
             اتحســــــــــــب  تــكفير الأئمــة هينا        فبـــؤ بــــــــه حملا يوم تبلى الســـــــــرائر
          إذ الناس ســـــكرى ليس منهم ســـاكر        وراءهم يومــــــــا به الهول غــــــــــامر
             به الأيد تدلي والجلود شــــــــــــواهد         وتكشــــــــــف فيه ماتكن الضمـــــــــائر
            وكل أثـــــــــــــــيم فيه يأتي بإثمـــــــه        وتظهر اســـــــــــرار وتبدى خـــواطر
              تشيب له الولدان من هــــــول ما ترى     وذو اللب مذهول ولبــــــــــه حـــــــــــائر
               ولاوالـــــــــــد يرجى لكشـــــف بلية       وكل وليــــــــــــد للابـــــــــوة نـــــــــاكر
              وكل حبيب بل وكل مقـــــــــــــــرب     فلا هو مغـــــــــن لا ولاهو ضـــــــــــــائر
               الا فــــــــاتق الرحمن واخش عقـــــابه    وكـــــــن خـــــــــــادما للحق ليس مكــــابر
                لقد جئت إدًا وارتكبت عظــــــــــــــيمة      تنـــــــــــــادي بأعلى صوتها وتجــــــاهر
                لقد ســــــــار أهل الحق بالحق والهدى    وصحب رســــــول الله للحق ناصــــــــروا
               الى ان مضى في الدين فوج وآخــــــر     واقبل رواد الهــــــــــــوى وتكاثــــــــــروا
               فما بــــــــــالهم قد اعذروهم بجهلهم       أمــــــــــن جهلهم ام عنـــــدهم رأي آخـــر ؟
             فدعني من قول الجهالة والهـــــــوى      فـــــــــإن كنت تدريــــــــه فأنت تكــــــــابر
             فيا واعيــــــــــــا فاحذر لذيذ كلامهم        فإن شـــــــــــباك الصيد بالحــــــــب وافر
               يدســــــون ســـــما في الدسامة والغذا     وهــل ذاك الا فــعـــــل من هو غــــــــادر
             إذا جــــئتهم  بالحـــق جـــــاؤا بغيره     ولـــــــووا رقـاب النص والنص ظـــــــاهر
               فإن كنت لاتعــــــــــذر جهولا لجهله     فـــــــإني لجــهلك يـــــــــاأخيُ لعـــــــــاذر
               أفرســــــــــــان ركب الغي مهلا فإنني       وقفــت أســــــــــــــائلكم أمنكم محــــــاور
              أبالخبث والبهتان يؤخـــــــــــــذ ديننا      وما الدين الا نهـــــــــــج من هو طـــــــاهر
              أمـــــــــان وليس الدين يؤخـــذ بالمنى    فســــــــل في أمور الشـــرع من هو خــــابر
              ملئتم مكـــــــــرا ثم ملئتـــــــم افـترا      وعـــــــــن كنهها دومــــا تدل المظــــــــاهر
               أيأوى فراش في خــــيوط عنــــــاكب      ويسكـــــــن في جحـــــر الثعابين طـــــــائر
              فكل جميــــــل للجميــــــــــل مصيره      وكل خبيث للخبـــــــــــــائث صـــــــــائر
                أفرســـان ركب الجهل والغي والهوى     قتلتـــــــــــم خيرا وهو بالقســـــــط آمــــــر
           لقد ســــــــرتم ســــير الخوارج قبلكم    وكل غــــــــــوي إثر ســـــلفه ســــــــائر
              تواصــــــوا به ام تلك ســــنة نهجهم     فكل غـــــــــــــوي في الجهـــــــالة ســـادر
                خزى الله من ســـــــل الحسام مهندا      وجهـــــد الفتى في الله لاشـــــــــــك ظــــــافر
              فأدحـــض حجتهم وابطل سحــــرهم       وبــــــدد شـــــــمل القـــــوم حتى تنـاثروا
            جـــــــزاه بها خيرا وثقــــــــل وزنه       وكفـــــــر عنــــــــــه ان ربي لقــــــــادر
           أخـــــــــي لاتلمني ان اطلت مقالتي      فما الشـــــعر الا فيض من هو شـــــــاعر
            فهذا نســـــــــــيم من عتابي طرحته       فحـــــــــــــاذر فقد تأتيك مني الاعـــــــاصر

مؤيد مصطفى بن زيادة -
                                                         سجن أبو سليم . طرابلس