الأربعاء، 26 أكتوبر 2011

ابوسليم وفرسان الضلالة


  
كانت مفاجأة من العيار الثقيل عندما أحضر لي أخي الأصغر علي هدية ثمينة لم تكن متوقعة وهي عبارة عن قصيدة (عنوانها اليكم يافرسان الضلالة) والسبب في أن عيارها ثقيل وأنها ثمينة هو أن مؤلفها هو أخي مؤيد السجين حسب معلوماتنا في حينها  داخل سيئ السمعة والذكر سجن أبوسليم وقد تحصل عليها أخي علي من احد رفاق مؤيد في السجن (اعتقد أنه من مدينة الزاوية) وكان ذلك قبل أن يأتينا خبر وفاته خلال جريمة 1996 وقد احتفظت بها كتذكار غال من أخي العزيز الذي غيّبه عنا جور الحكام وظلمهم الذي أثكل النساء ويتم الاطفال وزرع الالم والحرقة والدموع في كل بيت ودار ولتبيان القصيدة وقصتها نبدأ بالتعريف بصاحبها.
مؤيد مصطفى بن زيادة من مواليد 1968  ولد بمنطقة ابي ستة قرب جامع ابو كميشة القديم حيث كان منزل العائلة الذي التهمه القانون رقم 4  (حيث تم الاستيلاء عليه وضمه الى مبنى الضمان الاجتماعي الموجود بالمنطقة والذي كان قبل ذلك مقر لشركة الالعاب)  ) بعد ذلك انتقلت الاسرة الى منطقة الهاني حيث ترعرع مؤيد فيها ونال الشهادة الابتدائية والاعدادية من مدرسة شهداء الهاني ثم التحق بمدرسة سوق الجمعة الثانوية في منتصف الثمانينات من القرن الماضي وقد تخرج منها بتقدير ممتاز في مجال الدراسة مع تقدير كافة زملاءه ومدرسيه لإلتزامه وأخلاقه وتفوقه وبعد إنهائه للمرحلة الثانوية وحصوله على الشهادة بامتياز التحق بكلية الطب البشري بجامعة طرابلس وهناك شمر عن ساعديه وثنى ركبتيه لطلب العلم والحصول على الشهادة المطلوبة وكلنا يعرف طبيعة الدراسة بكلية الطب وما يتطلبه من وقت وجهد وتفرغ كامل للدراسة وترك ماسواها وزملاء دفعته يعرفونه ويعرفون جده ومثابرته والتزامه ولن أطيل عليكم بذكر مناقبه ودماثة خلقه وذكائه فزملاءه وجيرانه وأقاربه أفضل مصدر لمن أراد أن يستزيد .
عند إنهاء مؤيد للسنة الثالثة من دراسته الجامعية بكلية الطب واستعداده للالتحاق بالسنة الرابعة وكان ذلك في شهر 9 سنة 1990 هجم على بيتنا بمنطقة شهداء الهاني زوار الفجر من الأجهزة الامنية والثورية المتغولة والمستأسدة في تلك الفترة حيث كانت مجرد صلاتك للفجر بالمسجد تهمة قد تفقد جراءها حريتك وحياتك(خاصة اذا كان هذا المسجد هو مسجد الهاني الذي كان في حينها  مراقبا بالف عين وأذن من الاجهزة الامنية المتخمة بالمجرمين الجهلة والقساة) وأخذوه مقيدا أمام عائلته بعد أن فتشوا البيت وقلبوا عاليه سافله وأخذو معهم ما وجدوا من كتب وأوراق وغيرها ومن هناك إلى سيئ السمعة سجن أبي سليم وهناك لاقى مالاقى من عنت واضطهاد وقهر وتعذيب  وتهم جاهزة تم توزيعها عليه وعلى رفاقه.
 وهناك داخل السجن احتك السجناء ببعضهم على اختلاف مذاهبهم وأفكارهم ويبدو أن مؤيداً قد احتك خلال هذه الفترة ببعض المساجين من معتنقي الافكار التكفيرية ولأنه مواطن ليبي بسيط وذو تفكير سليم وحس نقي لم يتشوه رغم ماتعرض له خلال سنوات السجن حيث لم يستسغ الطرح الذي تطرحه المجموعة المذكورة من تكفير واتهام للناس بالخروج عن الدين فرد عليهم بقصيدة عنوانها (إليكم يا: فرسان الضلالة) سفه فيها طريقتهم في التفـــــكير وحذرهم من مغبتها في الدنيا والآخرة وأنكر عليهم استسهالهم تكفير الناس والعلماء وشبههم بالخوارج في حينهم . وأنا إذ أعرض هذه القصيدة عليكم  لاأحاول عرضها  لمناقشة الجوانب الفنية واللغوية فيها فلذلك وقته وأهله ورجاله ولكن أحاول عرضها كمثال عام على طريقة تفكير معظم الشباب الليبي الملتزم دينيا خلال تلك الحقبة المظلمة من تاريخ ليبيا ولبيان أن معظم من تم الزج بهم في السجون لم تكن لديهم أي ميول للعنف أو تكفير المجتمع أو الحكم وإنما أخذوا ظلما وعدوانا في فترة كان فيها سجن أو قتل امرئ مسلم برئ يساوي قتل بعوضة حيث كانت الاجهزة الامنية والثورية والسجون تحت سلطان أناس ظلمة لايخشون الله ولايهمهم إلا بقاء سلطانهم وتسلطهم ولو باختراع القصص  والتقارير والتهم على حساب الابرياء يعملون خارج اطار القانون وبدون ضوابط كأنهم حاطب ليل كل ذلك لإثبات همتهم ونشاطهم وولاءهم للنظام الظالم ولو على حساب الابرياء وكذلك لإخافة النظام من أجل ضمان استمرارهم والحصول على المكاسب التي يسعون لها .
    إننا إذا أخذنا المعاني والمفاهيم الدينية المدرجة في هذه القصيدة للإستدلال بها على تفكير مؤيد ومذهبه وطريقة تفكيره الديني (وهذا ينطبق على معظم رفاقه) ثم ذهبنا وأخذنا أوراق التحقيق الذي أجري معه  في   السجن وماوصل اليه المحققون والتهم التي وجهت إليه لاكتشفنا الفارق البعيد والبون الشاسع والظلم الفادح الذي وقع على هؤلاء الشباب.       
   وأخيرا وللأسف الشديد فإن مؤيد مصطفى بن زيادة وأمثاله من الشباب الليبي البسيط النقي الناصع   الايمان تم  تجميعهم عام 1996 في باحة سجن ابي سليم وقتلهم في مذبحة رهيبة تعتبر من أشنع الجرائم في القرن العشرين راح ضحيتها 1269 شاب من خيرة شباب ليبيا فقط لانهم طالبوا بالحد الادنى من حقوقهم .
 ولقد ظلت هذه الجريمة مثل الجمرة المدفونة تحت الرماد  تقض على الطاغية مضجعه وتستفز    نخوة الليبيين في كل ذكرى أو مناسبة الى أن قدر الله زوال ملك هذا الطاغية على أيدى شباب ورجال أشاوس وحرائركريمات فالحمد لله وله الامر من قبل ومن بعد.
                                                                                  محمد بن زيادة- طرابلس


                                                                   اليكم يا: فرسان الضلالة
               مطــــايا الهدى جدُوا المسير وصـــــابروا        فلا اختلطت بالســـــــــــالكين المعــــــابر
              فــإن المنــــــــــــايا يرتقبن عوابســـــــــا        ألا والمطـــــــــايا والحـــــــوايا ضوامـــر
               دليلي كــــــتاب الله والحــــــــق غــــايتي         وقول رســــــولي نجـــــم من هــو حـــائر
                 فيارب نجـــــــيني وكــــن في هــــــدايتي         وكفّـــــــر ذنــوبي أنت للـــــذنب غـــافـــر
                ومن قطـــــع كالليل جـــــــلُ مخــــــاوفي         مــــــــن الفتن الظلمـــــاء تعمي البصـائر
               وأخوف خوفي من ســــراب الهــــوى إذا         تتبعتـــــــه يــانفـــــس والعزم خــــــــــائر
               ولاتخش قطـــــــــــاع الطــــــــريق فإنه         طــــــــريق الهدى قــد داهمته المخاطــــر
               وقطــــــــاع طـــــــرق الحق كثر وكلهم        يرومـــون كـــــتم الحـق والحــق ظـــــاهر
               فلا تخشــــــهم وامض فسيفـــــهم الهوى         وسيفك هــــــــــــدي .. إن سيفــك بـــــاتر
               أيــــا فارس الغيّ المبين ورهطــــــــــه         وكــــــل غــــــويّ ألجمتـــــــــــه الجرائر
               رميت عبــــــــــــاد الله بالكفـــــــــر كلهم        فيـــــــارب فاشهـــــــد ما أنا بك كــــــــافر
               أأكفـــر ربي وهو ربي وخـــــــــــــــالقي       وهل ينكــــــر الرحمن من هو بــــــــــاصر
                له نســــــــكي وله صــــــلاتي وقبلتي         ومـــــن غير ربــــــــــي لي معين ونــــاصر
              فمهلا أخـــــــي مهلا فزعمك منكــــــر        وقولك مدحـــــوض وحكمــــــــك جـــــــائر
              بـــــــأي كتاب أم بأيــــــــة ســـــــــنة         تــــــــرى كفرنــــــــا حــــق؟ وجهلك ظاهر
            أم أنــــــــك تبغي أن تبين لنــــــا الذي      خفـــــى من كتاب الله والحــــــق بــــــاهر
              لزعمك أنك في العقيـــــــدة عـــــــالم         لكالمــــــــدعي الأبنـــــــــــاء من هو عــاقر
              رميت عبــــــــــاد الله بالكفـــــر كلهم         فــــــــــلم تــبق ذا ذنب ولم تـــبق طـــاهر
            فويحــــا لكم ويحــــــا وثان وثالــــث        وويحــــا لكم ويحـــا وويحـــــا وعاشــــر
              رمـــــيت عبــــــاد الله بالكفـــر معتد       عـــــــلى المعتدي فاعــــــلم تدور الـــدوائر
             فانهــــــــــا تـــــرقى ثم تحصى وتكتب       فــــــــــإن ينج نــــاج بـــــاء بالإثم آخر
              وتحســــــــب انك في العقيدة صائـــر         الا اعلم فانك في العمـــــــاهة ســـــــــائر
             اتحســــــــــــب  تــكفير الأئمــة هينا        فبـــؤ بــــــــه حملا يوم تبلى الســـــــــرائر
          إذ الناس ســـــكرى ليس منهم ســـاكر        وراءهم يومــــــــا به الهول غــــــــــامر
             به الأيد تدلي والجلود شــــــــــــواهد         وتكشــــــــــف فيه ماتكن الضمـــــــــائر
            وكل أثـــــــــــــــيم فيه يأتي بإثمـــــــه        وتظهر اســـــــــــرار وتبدى خـــواطر
              تشيب له الولدان من هــــــول ما ترى     وذو اللب مذهول ولبــــــــــه حـــــــــــائر
               ولاوالـــــــــــد يرجى لكشـــــف بلية       وكل وليــــــــــــد للابـــــــــوة نـــــــــاكر
              وكل حبيب بل وكل مقـــــــــــــــرب     فلا هو مغـــــــــن لا ولاهو ضـــــــــــــائر
               الا فــــــــاتق الرحمن واخش عقـــــابه    وكـــــــن خـــــــــــادما للحق ليس مكــــابر
                لقد جئت إدًا وارتكبت عظــــــــــــــيمة      تنـــــــــــــادي بأعلى صوتها وتجــــــاهر
                لقد ســــــــار أهل الحق بالحق والهدى    وصحب رســــــول الله للحق ناصــــــــروا
               الى ان مضى في الدين فوج وآخــــــر     واقبل رواد الهــــــــــــوى وتكاثــــــــــروا
               فما بــــــــــالهم قد اعذروهم بجهلهم       أمــــــــــن جهلهم ام عنـــــدهم رأي آخـــر ؟
             فدعني من قول الجهالة والهـــــــوى      فـــــــــإن كنت تدريــــــــه فأنت تكــــــــابر
             فيا واعيــــــــــــا فاحذر لذيذ كلامهم        فإن شـــــــــــباك الصيد بالحــــــــب وافر
               يدســــــون ســـــما في الدسامة والغذا     وهــل ذاك الا فــعـــــل من هو غــــــــادر
             إذا جــــئتهم  بالحـــق جـــــاؤا بغيره     ولـــــــووا رقـاب النص والنص ظـــــــاهر
               فإن كنت لاتعــــــــــذر جهولا لجهله     فـــــــإني لجــهلك يـــــــــاأخيُ لعـــــــــاذر
               أفرســــــــــــان ركب الغي مهلا فإنني       وقفــت أســــــــــــــائلكم أمنكم محــــــاور
              أبالخبث والبهتان يؤخـــــــــــــذ ديننا      وما الدين الا نهـــــــــــج من هو طـــــــاهر
              أمـــــــــان وليس الدين يؤخـــذ بالمنى    فســــــــل في أمور الشـــرع من هو خــــابر
              ملئتم مكـــــــــرا ثم ملئتـــــــم افـترا      وعـــــــــن كنهها دومــــا تدل المظــــــــاهر
               أيأوى فراش في خــــيوط عنــــــاكب      ويسكـــــــن في جحـــــر الثعابين طـــــــائر
              فكل جميــــــل للجميــــــــــل مصيره      وكل خبيث للخبـــــــــــــائث صـــــــــائر
                أفرســـان ركب الجهل والغي والهوى     قتلتـــــــــــم خيرا وهو بالقســـــــط آمــــــر
           لقد ســــــــرتم ســــير الخوارج قبلكم    وكل غــــــــــوي إثر ســـــلفه ســــــــائر
              تواصــــــوا به ام تلك ســــنة نهجهم     فكل غـــــــــــــوي في الجهـــــــالة ســـادر
                خزى الله من ســـــــل الحسام مهندا      وجهـــــد الفتى في الله لاشـــــــــــك ظــــــافر
              فأدحـــض حجتهم وابطل سحــــرهم       وبــــــدد شـــــــمل القـــــوم حتى تنـاثروا
            جـــــــزاه بها خيرا وثقــــــــل وزنه       وكفـــــــر عنــــــــــه ان ربي لقــــــــادر
           أخـــــــــي لاتلمني ان اطلت مقالتي      فما الشـــــعر الا فيض من هو شـــــــاعر
            فهذا نســـــــــــيم من عتابي طرحته       فحـــــــــــــاذر فقد تأتيك مني الاعـــــــاصر

مؤيد مصطفى بن زيادة -
                                                         سجن أبو سليم . طرابلس

الثلاثاء، 25 أكتوبر 2011

ربيع الثورات وخريف المنظرين

يخرج علينا من حين لآخر الاستاذ هيكل بتنظيراته التي تصر على وضع المشروع القومي كواجهة أحداث في القرن 21 رغم أن المشروع القومي وأحلامه إنهارت منذ سنة 1967 بسبب سوء قيادة عبد الناصر وعدم نضج اركان حكمه وقصر نظر مستشاريه وظل هذا المشروع يتداعى حتى أجهز عليه السادات سنة 1977 وتهاوت كافة هياكله خلال السنوات اللاحقة على أيدي متصنعي القومية وإن محاولة الايحاء بأن المشروع القومي مازال قائما ومازال الغرب يحاربه ويخشاه هي محاولة فاشلة لتصنع الاهمية والتوهم بالمساهمة في صنع الصورة الراهنة وهذه كلها مبنية على تاريخ الكاتب ومصلحته الشخصية .
وحتى عندما حاول لاحقا القومجيون العرب لملمة اشلاء هذا المشروع المتحطم لامتطاء صهوته لمآرب وأمجاد شخصية لم يفلحوا نظرا للبون الشاسع بين النظرية والتطبيق ونظرا لنوعية القيادات التي حاولت استعمال شعارات هذا المشروع وهي في أغلبها قيادات أفرزها نظام الوصول للحكم عن طريق الانقلابات العسكرية وهو نظام لايوصل الا أنصاف المتعلمين المتهورين محترفي المغامرة والمستعدين للتحول الى سفاحين عند أول تحدي يواجههم.
إن نمط الحكم الذي مارسه هؤلاء المغامرون ومتطلبات استقرارهم واستمرارهم في الحكم نتج عنها -وبطريقة عنيفة- تقسيم المجتمع الى طبقات رئيسية تشمل الطبقة الحاكمة والطبقة المستفيدة من الطبقة الحاكمة والطبقة المسئولة عن بقاء الطبقة الحاكمة وهذه الطبقات لا تمثل أكثر من 5% من المجتمع على أقصى تقدير وهي طبقات متشابكة المصالح تعيش فوق اطار القانون وخارجه وتتبع كافة الأساليب للحفاظ على النظام القائم أما الطبقة الرابعة  فتمثل بقية الشعب بمختلف أطيافه ومستوياته الاقتصادية والاجتماعية والثقافية ممن لاعلاقة لهم بالنظام الحاكم وهذه الطبقة يتم معاملتها بطريقة عنيفة ممنهجة تهدف الى وأد روح المواطنة والانتماء ونزع مشاعر العزة والكرامة من الفرد وتعمل على سلب كافة حقوقه  لضمان انكساره وانصياعه تحت السيطرة وقبوله بالنظام القائم وما عمليات القتل والنفي والسجن والتعذيب والمصادرة والحرمان الا جزء من آلية حكم تمارس علنا في هذه الدول لضمان استمرارها دون أن تتحرك في متصنعي الفهم والبطولة شعرة واحدة وعندما تتحرك هذه الطبقة المظلومة وتتملل تحت ضغط لايحتمل من القهر يبدأ هؤلاء المتصنعين بإتحافنا بتنظيراتهم غير الواقعية والتي لاتزيد الطين الا بلّة وتساعد على الهدم لا البناء.
إن هؤلاء السادة مازالوا يستعملون أدوات التحليل المستعملة في القرن الماضي لتحليل أحداث القرن الحالي وهو قرن تحول فيه العالم الى قرية صغيرة بسبب ثورة المعلومات والفضائيات وتقنية نقل الصورة وشاهد العيان وويكيليكس وهذا أدى الى عجز فاضح  في القدرة على فهم هذه الثورات ونحن عندما لانفهم فإننا لانتورع عن استعمال الآخر مشجبا لتغطية عجزنا.
إن ماحدث ويحدث في الوطن العربي هو ثورة بكل ماتعني هذه الكلمة من معنى شاء من شاء وأبى من أبى .. ثورة توفرت لها أدوات لم تكن متوفرة في السابق .. ثورة نشأت وتخلّقت في رحم الداخل وظهرت إرهاصاتها فيه واندلعت شرارتها لظروف داخلية ونمت وترعرعت في الداخل وان دخول اطراف خارجية على خطوط هذه الثورات للّحاق بها والبحث عن مصالحها لاينفي عنها انها ثورات أصيلة مهما ادعى المدّعون.
ان المتتبع لأحداث الثورة التونسية من شرارتها الاولى في سيدي بوزيد وكيف تطورت أحداثها فأطارت الرئيس وطارت وراءه وزيرة الخارجية الفرنسية التي لم تفهم ماكان يحدث ثم الثورة المصرية وكيف كانت تمضي بثبات حتى حققت هدفها وكيف كان الغرب وأمريكا وحتى قادة المعارضة المصرية الداخلية يركضون خلفها لفهم ما يحدث والاستفادة منه وكذلك الثورة الليبية وكيف تجمعت تراكمات السنوات السابقة وانفجرت في لحظة مفاجئة للجميع حتى للمشاركين فيها وبطريقة مدوية ودامية تتناسب مع حجم القهر المخزون في الوعي الجماعي للمجتمع الليبي وقس على ذلك في اليمن وسوريا والتي مازالت ثوراتها مفتوحة على كافة الاحتمالات يتأكد من أصالة هذه الثورات وأن محاولة الاطراف الخارجية فهم هذه الأحداث والاستفادة منها أوتحويلها لصالحها جاء لاحقا بعد حدوثها وهذا الامر جعل الهيئات أو القيادات السياسية لهذه الثورات تتعامل مع هذه الاطراف الخارجية لتحقيق مصالح هذه الثورات وأهدافها وفق المبدأ الاداري (مكسب+مكسب) وإن نجاح أو تعثر هذه القيادات السياسية  في تحقيق أقصى استفادة بثمن لايمس بالسيادة الوطنية والاستقلال مرهون بقوة الثورة على الارض والقدرة على الاستفادة منها والمناورة بها وكذلك مرهونة بردة فعلنا تجاهها ودعمنا لها واحتضانها أو تركها للآخرين يدعمونها ويستفردون بها.
إن اكتفاء القوى العربية والاسلامية بموقف المتفرج ومواقف المحللين والمنظرين أساتذة اللغة الخشبية ذات القوالب الجامدة وعدم دعم أو التحريض على دعم هذه الثورات هو ما أفسح المجال للآخرين أن يدخلوا ويقدموا الدعم المطلوب مقابل فوائد يجنونها مستقبلا وهذا مبدأ معمول به  في العلاقات الدولية شرط عدم المساس بالسيادة الوطنية وعلى من لا يريد لهذه القوى الخارجية أن تتدخل أن يقدم هو الدعم اللازم بدلا من استعراض معلومات وتواريخ وإسقاطات أكل عليها الدهر وشرب وهذه الثورة السورية والثورة اليمنية الآن في الحلبة لمن يريد العمل وقطع الطريق على التدخل الذي لايرغبون فيه والا فإن الدماء التي مازالت تسفك يوميا هي في رقاب كل من يعترض السبل المتاحة لايقاف هذا النزيف المريع لهذه الدماء الثمينة.
إن ماقامت به قطر والامارات وما قامت به تونس ومصر (من طرف خفي) لدعم الثورة الليبية يمثل نصف الطريق للوصول لمرحلة الدعم الكامل لمثل هذه الحركات من داخل المنطقة وعدم السماح للأجنبي بالدخول لها وإن النظر الى النصف المملوء من الكأس والعمل من خلاله لملء الكأس بأكملها أفضل من النظر الى النصف الفارغ ثم الجلوس للبكاء على الاطلال.
إن الجالسين في مكاتبهم  وأبراجهم ينظرون للامور من خلال نظاراتهم السميكة  ومساطرهم العتيقة  ويعملون على تحويل الاحداث الرائعة  والحقيقية الى اشياء مشوهة هم الذين يخدمون الاجندات الخارجية  إن مثل هذه الاحداث التي تدعو الى الفخر والاعتزاز والتي يمكن أن تساعدنا على اعادة بناء الشخصية العربية المحطمة بتاريخ أثخنه القومجيون والمتأسلمون بالجراح والنكبات وتقيض لنا سبل استعادة العزم والهمة والقدرة على التفاعل الايجابي مع معطيات حياتنا وتاريخنا والشعور باننا فاعلون مؤثرون فيها وهي فرصة يجب الا نفوتها ونستغلها بمزاياها وعيوبها لأن استقبال مثل هذه الاحداث بالاتهام والتخوين والتنقيص من قدرها لا يؤدي الا الى سقوط النفسية العربية من جديد في مستنقع الخور والعجز والاتكال على الآخرين الذين نتصور انهم لهم يد في كل شيئ ولكنهم يتميزون بامتلاك مهارة الاستفادة من كل حدث حتى لو لم يكن لهم يد فيه وهو ما يجب أن نتعلمه ونمارسه للحصول على الاستفادة القصوى من هذه الاحداث.       

الأحد، 16 أكتوبر 2011

ثقافة التنافس


                                                     
تعج الساحة السياسية الليبية الغضة بتوليفة هي أيضا غضة من النخب أو الفرق ذات المشارب والاتجاهات والرؤى المختلفة والتي تحاول ولوج هذا المعترك السياسي كل لتحقيق أهدافه التي رسمها وتحاول كل منها اظهار نفسها كأفضل خيار متاح لقيادة المرحلة القادمة  وأن الآخرين هم الأسوأ كلٌ وفقاً لمعايير ومقاييس وضعها ولاءمها لنفسه ووضعيته ومن خلالها يرى أن كل من عداه غير مؤهل لهذه المرحلة ويجب استبعاده ليصفو الجو السياسي للمؤهلين فقط كلٌ حسب وجهة نظره ووجهته التي يبتغي .

ففي كل يوم تخرج علينا وسائل الاعلام بمختلف أنواعها بتصريحات واتهامات لانعلم حتى مدى صدقها ودقتها وتصدر عن أفراد أو تنظيمات او جهات ضد أفراد أو تنظيمات او جهات أخرى كلٌ يحاول أن يلصق بالآخرين مالذ له وطاب دون حسيب أو رقيب فهذا يطلق الاتهامات ضد محمود جبريل وجماعة المكتب التنفيذي بأنهم علمانيين ليبراليين وعملاء للغرب يجب إقصاءهم لخطورتهم على المجتمع والدولة رغم انهم شاركو مشاركة فاعلة وناجحة بكل المقاييس في قيادة الثورة وبصورة خاصة في الجانب السياسي وجلبوا لها مكاسب تحسدنا عليها الثورات الأخرى التي شكلت مجالس عساها تتمكن من النجاح مثلنا . ومن جهة أخرى فهناك جماعة الاخوان المسلمين المتهمة بأن أعضاءها يريدون التسلق على دماء الشهداء ويطالب بإخراجهم من الساحة رغم أنهم جزء من المجتمع الليبي ويضم تنظيمهم جزء من الطبقة المثقفة والمتعلمة ولديهم تنظيم جيد شارك بفاعلية في دعم الثورة ونجاحها سواء في الميدان أو في ساحة الاعمال التطوعية والمنظمات الخيرية التي كانت هي العصب الذي يمد الثوار بمتطلباتهم في ميادين القتال . أما المجالس المحلية فحدث ولاحرج عن ما الصق بها من مساوئ في طريقة تشكيلها وعملها وأعضاءها رغم أنها تشكلت في ظروف نحن أعلم بها وأن هؤلاء اعضاءها كانوا من قيادات الثورة السباقين وساهموا في نجاحها في كافة مراحلها . أما عبد الحكيم بلحاج فيتوجب عليه أن يحمل عصاه ويرحل فورا لأن أهدافه غامضة من وجهة نظر معارضيه فهو كان من قادة الجماعة الليبية المقاتلة وتاريخه يثير التوجس وقد يقود الثورة نحو التطرف  رغم أنه ورفاقه قد أوضحوا منهجهم وتفكيرهم في مراجعاتهم الشهيرة ورغم أنه شارك في جبهات القتال وله قدرات عالية ساهم بها في الثورة أما الدكتور علي الصلابي فهو متهم بأنه يريد أن يتدخل في كل صغيرة وكبيرة وسرقة الثورة وادعاءها لنفسه  بالاضافة لأنه يتعامل مع جهات خارجية رغم أنه من العلماء المسلمين الذين يشار لهم بالبنان خاصة في مجال التاريخ والحضارة الاسلامية وتاريخ الامم والشعوب ومشاركته ستكون بناءة وفعالة بحكم علمه ومعرفته وعلاقاته ويمكن أن يفيد الدولة في مرحلة البناء كما أفاد الثورة بعد اشتعالها من خلال حركته الدؤوبة واتصالاته بالداخل والخارج ومشاركته في الكثير من تفاصيل هذه الثورة المباركة أما مايخص قادة الثوار الذين يضعون أرواحهم على أكفهم وينطلقون في ميادين القتال يصنعون البطولات والعجائب فهم متهمون بأنهم غير محنكين سياسيا  وليس لديهم خبرة في إدارة شؤون الدول رغم أنهم يصنعون النجاح في أصعب وأحلك الظروف والأولى أن يكونوا قادرين على صناعته عندما تهدأ الظروف وتتحسن ويجدون أنفسهم في مناخ أكثر هدوءا وراحة وهكذا دواليك لبقية المجموعات الموجودة من سلفيين وحزبيين ومستقلين ..... تنطلق مصطلحات التخوين والاقصاء والاستبعاد وكأننا إذا ابعدنا هؤلاء سنجد آخرين متوفرين وجاهزين للعمل .

إن هؤلاء هم نتاج مجتمعنا وثقافتنا السياسية التي كانت سائدة ومعظمهم اكتسب خبرته ومعارفه من خلاله وعلينا ان نقتنع بقبولهم جميعا بدون استثناء في الساحة السياسية وفتح المجال لهم ولغيرهم بدلا من محاربتهم بحجة عدم الكفاءة أو بحجة الشرع وأحكامه أوعدم الشرعية........ الخ وهي عناصر قد تكون مع غيرها مطلوبة وعلى كل طرف من هؤلاء أن يبحث عن ما ينقصه منها ويعمل على استكماله  بدلا من الهجوم على الآخرين وتهويل نقائصهم وتضييع الوقت والجهد خلفها إن التغيير الذي يجب أن يحدث لكي نتحرك الى الامام كمجتمع وكدولة هو في الثقافة والعقلية وليس الاشخاص لأنه يتوجب علينا الابتعاد عن ثقافة التنافس السلبي المبنية على الاتهام والتخوين والتي لاتنتج إلا واقع سياسي عقيم يقوم على الهدم والاقصاء ولا ينتج شيئا سوى مجموعات متناحرة غير قادرة على البناء تتربص كل واحدة منها بالأخرى ولا تملك الوقت والجهد للعمل الايجابي البنّاء حتى لو أرادت ذلك.

إن ثقافة التنافس الايجابي المبنية على أن يعرض كل طرف بضاعته والتي تشمل (الرؤيا والبرامج والخطط والاهداف وآليات التنفيذ ..... ) ويسخر وقته وجهده للإبداع فيها واتقانها وتحسينها وتطوير قدراته لتنفيذها فعليا عند اللزوم ستؤدي الى خلق ساحة سياسية ثرية قادرة على الابداع والعطاء وليس التخوين والاقصاء . إن ثقافة التنافس الايجابي تنمي القدرة على نقد الذات وتطويرها وعلى النقد البنّاء للآخرين وليس النقد الهدام إنها تنمي ثقافة لنكسب جميعا وتكسب معنا ليبيا وليس ثقافة يجب أن أكسب أنا وليذهب الآخرون الى الجحيم .

وأخيرا وليس آخرا فإنه علينا أن نتعلم فن العيش مع الآخرين الذين نختلف معهم دون أن نتهمهم بالخيانة والعمالة لاعتقادنا بأننا نمتلك الحق أو القدرة أو المعرفة فهم أيضا يعتقدون ذلك وإلا (فكأنك يابوزيد ماغزيت) وستضيع مكتسبات هذه الثورة المباركة وتتسرب من بين أيدينا دون أن ننتبه ونشعر ونجد أن دماء الشهداء تضيع هباء وهو مالا نريده ونرضاه .

                                                                                        محمد بن زيادة \ طرابلس    

الأربعاء، 12 أكتوبر 2011

مواكب العز

مازلنا ننهض كل صباح غير مصدقين لما حدث ,  وجلين أن يكون حلما .. لكنه حقيقة صنعها أبطال أحفادٌ لأبطال , أعادوا لليبيا وجهها البهي وأعادوا لنا نعمة الإنتماء لها والفخر بها .. سكبوا دماءهم وقدموا أرواحهم قرابين كي يمسحوا عن وجهها قتامة سنين الظلم والظلام .. إنهم مواكب تخط بعزمها وأرواحها دروب الغد ليضعوا ليبيا في مكانها الحقيقي بين الأمم ....... لهم أهدي هذه الكلمات المتواضعة ....




مواكـــــب العز

فخـرٌ عـلى فخـرٍ ومثـلي يفخـرُ            وصحـائفُ الأمجـادِ حولي تُسـطر
تهتز أوتـاري وتعزِفُ مهجتي             لحنـــاً شجيـاً في الدّنــا يتبختـــر
هذا زمان المعجزات فكبـــــري            ياليبيــــــــا فاللـــــهُ أعلى وأكبـر
من حكمِ طاغيةٍ ثنى أعطافــــه            ليُضــلّ عـــن سُبـــــل الإلهِ ويَفْجرُ
يعتاش من قهر العباد تجبـــــراً            ويـــــــح العباد إذا الرعاع تأمّروا
لكأن أرزاق العبـــاد حلالـــــه              منها يبـــــذّر في الورى ويبعثـر
أو أن أرواح العبـاد مشاعـــة              يقتل منهــــا ما يشــــاء ويأســــر
نار الضغينة تصطلي في صدره           فيظلّ مسلكـــــــه الطريق الأعسرُ
فإذا أمانينــــا البريئةُ تهمـــــةٌ             وتـــوارد الاحــلام جـــرمٌ أكبــــر
وإذا تفاصيل الحيــــاة مصائب             تترى على رأس العباد وتمطــــر
وإذا الظلام يمدّ نســــج خيوطـــه                  يغتال وهج الأمنيــــــــات ويقبــــر
فتضيق أرجاء البلاد من العنــَا            وتضيق أخـــلاق الرجـــال وتقفر        
حتى إذا اشتدّت وشُدّ وثاقهـــــا           واستحكمت حلقاتهــــا والمِغْفـَــــر
وتطاول الّليل البهيـــــم وأيقنت            منّـــــــــــــــا النّفوس بأنه لامَعْبــَـر
لاحت على صبرٍ بشائر فجرنــا            تبدو على الأفق البعيد وتظهـــــــر
يحمل مشاعلهــا بنونٌ أوقـــــدوا                   مهجاتهم عزماً يفـــــــور ويكبــــر
حَمَلـــــوا على أكتافهم أكفانـــهم                   ومضــوا الى العليــاء لم يتأخروا
في موكب ٍ من نصر يرسل طرفه         شــــزراً فتهتز العروش وتُدحــر
لتصير أوكار الطغـــــــــاة شواهدا        لختامهم ودواء من يتقيصـــــــر
في موكبٍ من حقّ يقتحــم الدجى                ويهدّ أوثان الظــــلام ويكســـــــر        
يسكبْ ملامحـه على أفقٍ بهي             يأسـو الجراح الماضيات ويَجْبُر
تتعانق الاضــــــواء في جنباته            والعتْمُ عن عتباتـــــــه يتقهقـــر
في موكبٍ من مجد يرسل غيمه           يترى فتهتــز المروج وتُزهـــــر
هذا صنيع بنيـــــك من أرواحهم          نسجوا لك أثواب عزٍ تَبْهَــــــــــر
صفعوا وجوه الحادثـات بعزمهم          وتنعّلوا أعنــــــــــــاق من يتجبر
واستنزلوا التاريخ من عليــاءه            ومضـــــوا به لعــــلاهمُ يتبختر
وبزاكيــات دمــاءهم وبغاليــات نفوســــهم وبهمة شمّــــــاء لا تتكســــــــر
نقشوا ملاحمهم سناءً خالصــا            يكسو الزمــــــان فكل يـومٍ أنور
ترنو إليه الملحمــــات حسيرةً             والدهـر من نفحــــاته يتعطــــــر
فلتفخــري يا ليبيــــا بصنيعهم             فبـِهِ التواريـخ تتيــــهُ وتفــخــر
وتعـاظمي فلك الشموخ مطيةً              والعــــزّ تاجــــك والنبالة مئزر
وازجي الدلال على بنيك فكلهم            رهن لطرفك لو يشير ويأمـــر
ولتهنإي بغدٍ يلوح بخصبــــــه            جذلان يهـــــزأ بالطغاة ويسخر
ويبث في نسغ البلاد بهـــــــاءه           يروي التضاريس العجاف فتعمر
ولتحمــدي فضل الإله ومنّه               فبحمــــده النعمـــا تدوم وتثمـــر

         محمد مصطفى بن زيادة-طرابلس- 25\08\2011

الثلاثاء، 11 أكتوبر 2011

إبتهالات من العهد الاقدم

تائهٌ في كل اصقاع البلاد النائيـــــــــــة
في كياني .. في دهاليز عروقي يتجول
برد ريحٍ عاتيــــــــــــــــــــة...
قادمٌ من صلب أحلامي الدفينـــــــــــة
في خيـــــــــالاتي الحزينـــــــــــــــــة
منطلق من حضن ثلجٍ أو جليدٍ في الليالي الشاتية
زاحفٌ من كل آلام النفوس الساعية
في مشاوير نبيــــــــــلة ساميــــــة
برد ريحٍ عاتية
يحتويني .. يتمطى في ضلوعي البالية
يخترق أغوار روحي الساجيــــــــــــة
في محاريب التبتل
تبتهل .. تزجي التسابيح الحزينــــــة
كي تكون الشمس أدفـــأ مايكونـــــا
ويصير الحب خبز العالمينا
              .....................................
واجمٌ قلبي يقلب في سكيينة
في مساحات الزمان الحاضرة والماضية
وتضاريس الأماكن قاصية أو دانية
باحثٌ عن وجه عذراءٍ بهية
يمسح الأحقاد يجتث العفونة
باحثٌ عن ظل نورٍ أو سفينة
تنتشلنا من سراديب الظلامات المهينة
باحث عن لبّ روح الطهر فينا
كيف نرعاها لكي تغدو متينة
كيف بالإمكان تغيير المراكز
في حنايانا الدفينــــــــــــة
بين روح الطـــــــهر فينا
وتفاهات الأنانية اللعينة
كي تكون الشمس أدفأ ما يكونا
ويصير الحب خبز العالمينـــا
           ...................................................
سائلوا الأفق المضرج باحمراره
نقبوا الدهر المرصع بالانين
من عهود الغابرين
كل شريرٍ أتى للكون كل الطيبين
كل أفاقٍ وكل الأولياء الصالحين
كلهم كانوا صغارا
وعلى سيمائهم كانت ينابيع البراءة
تتدفق بغزارة
لم يكن في صدرهم للحقد مأوى
لم تكن أفكارهم تحمل قذارة
لم يلطخ طهرهم روث الحضارة
كلنا في البدء كنا سائرين
في طريقٍ واحد درب الطفولة
لم نكن نفقه معنى للرذيلة
لم نكن نتقن إخفاء المشاعر
خلف أقنعة مموهة بألقاب الفضيلة
كل دمعات جرت كانت حقيقة
كل بسمات رنت كانت أصيلة
ورويـــــــــــــدا ......
انطلقنا نقتفي أثر السنين
خطوات دونتها أسطر الاقدار في لوحٍ أمين
نسجت قصصا طويلة
هتكت فينا أهازيج البراءة والطفولة
خلفتنا لاهثين
نعبر الازمان ركضا خلف أوهام وفحواها جنون
ننسج الآثام مجدا وبطولة
وعلى هامات بعض نتسلق ونردد زاعمين
صانعوا التاريخ أفتوا من قديم
غاية الانسان تمنحه  الوسيلة
وتبرر طمس رايات الفضيلة
يـــــــــــــــــــــــــــــــاإلهي أي حق .. أي دين
لِم ياأبناء آدم .. لِم يا كلّ الحياري ؟
قد تغيرنا وكنا طيبين
لِم لَم نبقى كما كنا صغارا
زادنا حبٌ وكسوتنا طهارة
لِم ياقلبي الحزين ؟
يا نزيفاً من شجون
ياجراحاً تمتطيها كل آهات السنين
سابحاتٍ في بحار الملح في ليل الأنين
يا التياعاً صاعداً كالمدّ في دربٍ حرون
يطلق الآهات وهناءً عليلة
كيف بالامكان تتويج الطفولة
مملكة في كل قلبٍ من قلوب العالمينا
كي يموت الحقد قهراً أوجنونا
تنتفي روح الانانية اللعينة
كي تكون الشمس أدفأ ما يكونا
ويصير الحب خبز العالمينا
                                                                              محمد مصطفى بن زيادة \ 1989