الخميس، 29 ديسمبر 2011


طفـح الكيـل

  أثناء الثورة المصرية خرج الرئيس المصري المخلوع حسني مبارك في إحدى خطاباته الشهيرة بقوله أن الكيل قد طفح به مما يحدث وفي اليوم التالي خرجت علينا احدى الصحف بعنوان اقتبسته من هذه المقولة ومن الوضع في الميادين فعنونت صفحتها الرئيسية (رئيس طفح به الكيل ولم يرحل وشعب طفح به الكيل ولم ييأس) ومنه جاء مطلع هذه القصيدة وعنوانها :



طفح الكيل

طفح الكيل سيولا من غضب           تتهادى في شموخ وصخــب

تغسل التاريخ من أدرانـــه             وتعيد اللون في وجـــه شحب

تزرع الارض سناء وسناً               وتحيل الافق غابـــات لهب

وهجها يجتاح ليلا بائســـا                 طـال حتى قد ظننــاه وجـب

قد تولى نسجه من حولنا                كل أفــاق على الحـكم غلــب

نصبــوا أنفســـهم آلهـــة                طالبين الخلــد في دار العطب

        زرعوا الارض شقاءً وعنا               وزنازينـــا ورعبـــا وكــذب

         فإذاالأيـام ســجن كــالحٌ               وإذا الأحــلام جـــرم لايُجـبّ

وإذا التاريخ يبدو حـــائرا               وعلى سيمـــــاءه لاح العجـب

هــذه الأرض لها أبطالها               لهم المجـــــد قديمــــاً ينتســـب

كــــيف لانـــوا خـــلــــف جـــــدرانٍ مــن الخــــــوف سنينـــا وحـقـب

جـــــاوبوه حين هبّــوا هبةً             تطــــرد الأوهام رغماً والريب

تونس الخضراء قد خطـت لنا          درب عـــــزّ من تقفــاه كســـب

أوقـــدت شعلتهـــــا وانطلقت           صنع شعب غادر الخوف وهب

سنّ للأقــــدار شـرع واجب            إن أراد الشــعب أن يحيا يُجَب

 ثـــورة للياســـمين أينـعت              فوحها كان شرارا يلتهــــب

فإذا الاوثان تهوى من عــلاً            وإذا الليـــل فلولٌ تنسحـــــــب

 وانبـــرت أم الدنا متئــــدة          تنســج الصبر خيوطا من غضب

ومــلايين الأيــادي الحانية             تمسح الأوجاع عنها والتعب

هم بنوها حين ثاروا نخوة                فإذا الميــادين هديرٌ مستحب

وإذا الأزهـــر نــورٌ ساطعٌ             وإذا التحـــرير يأتي بالعجــب

وإذا الأهــرام عطـرٌ عابقٌ             وإذا النيل شــرايين تصــــــب

زخمٌ يجتث خـوفٌ ضاربٌ             في الخلايــا والحنايــا والعصب

      زخمٌ يجتــاحهـا في نشـــوةٍ           يغزل الأرواح والمهجــات حب
      
     ينهمــر في كل ميدان وفي           كل دربٍ .. نبــــــض ثوارٍ يثب
       
     وثبـات لها نصلٌ قاطــــــع           تبتر الطغيــــــــان إن البتر طب

      ترسل المعنى الى أهـل النهى       ويعيهــــا كـل ذي قـــلبٍ ولبّ
     إن سيـل الحـق يعلو هادراً           فاستفيقي يا قيــــــــادات العرب

      طفح الكيــل ولم يبقى سوى         بعض صـبرٍ ونرى الليل هرب


                                              محمد مصطفى بن زيادة – طرابلس\فبراير2011 

الاثنين، 5 ديسمبر 2011

ازمة المثقف العربي والثورة الليبية


أزمة المثقف العربي والثورة الليبية

بقلم: صالح بن عبدالله السليمان*

كان يا ما كان. في زمن من الأزمان. ولكن بخلاف العادة، لم تكن من قديم الزمان بل كان في هذا الزمان وقبل أقل من أربعة أشهر. كانت دولة عربية مختفية عن الأنظار. لا أقول عن أنظار العامة. بل عن أنظار النخبة المثقفة. كنا نمر عليها أثناء النظر إلى الخريطة. فتتخطاها عيوننا .

تتجه الأنظار إلى مصر فهي أرض الكنانة. ثم تقفز العيون والأفكار إلى تونس الخضراء نتذكر أحمد شوقي و الشابّي. ونتذكر تونس العاصمة والقصبة وحركة التحرر وأبو رقيبة. ونتذكر أحمد عرابي والنحاس باشا وعرابي. نتذكر من هذه ومن تلك. نقرأ عنها ولكن ما بينهما مختفي خلف ستارة، لا نعرف عنها إلا أشياء بسيطة، أشياء لا تذكر، أكاد احصرها في عمر المختار وعاصمة أسمها طرابلس ويرأسها معمر القذافي .

لا تزيد عن ذلك. لا نعرف لها تاريخا ولا جغرافيا، لا نعرف لها شعبا ولا عادات حتى اللهجة لم نعرف من كلماتها إلا كلمة واحدة “باهي".

أما رئيسها (أستعمل هذه الكلمة لأني لم أجد كلمة أخرى نصف علاقته بالدولة ). فهو ملء العين والأذن. صوره تملا كل مكان وأفعاله تملا كل أذن. نعرف أن هذا الزعيم متقلب المزاج. أفكاره متطرفة غربية. كنا نتضاحك على ما تتناقله وكالات الأنباء من أقوال أو أفعال. خرج للدنيا بأفكار غريبة لا لون لها ولا طعم وسطرها في كتاب أسماء الكتاب الأخضر، وبنظرية أسماها النظرية العالمية الثالثة. ولا أعلم لماذا سماها الثالثة. هل ليقارع بها الرأسمالية والشيوعية ؟ ولكن أين الاشتراكية أين المادية، أين الإسلام الاقتصادي والسياسي . هل سقطوا من حسابه؟ نظرية نعلم عنها، أنها تثبت أن الرجل رجل وأن المرأة امرأة. وأن الذكر غير الأنثى. وأن من تحزب خان. ولكن نسى قوله تعالى "ألا إن حزب الله هم الغالبون"، أقر رب العالمين بوجود أحزاب. نعرف أزياءه الغريبة. أزياء بكل لون وكل شكل. بعضها شاهدنا مثيل لها وبعضها غريب. عرفنا حارساته الأمازونيات وراهباته الثوريات. عرفنا عنه الكثير. ولكننا لم نعرف الدولة التي يحكمها .

لو سألت أي مثقف عربي أن يكتب لك مقال عن هذه الدولة. لاضطر إلى العودة للكتب يبحث بين طياتها بعض أخبار تلك الدولة ولن يجد عنها الشافي من المعلومات إلا ما يخص مرحلة ما قبل انقلاب القذافي العسكري. أما بعد ذلك اختفت الدولة في عباءة رئيسها فكل شيء هو، وكل عمل هو، هو المهندس وهو المفكر وهو الفيلسوف وهو العالم وهو المنظّر . لذا لو طلبت إلى أي كاتب عربي كتابة مقالات وليس مقال عن رئيسها. لكتبها كلها من ذاكرته.

لقد أخفى ذلك الرئيس تلك الدولة خلف عباءته. لا نرى منها إلا هو ولا نسمع عنها إلا هو.

ثم فجأة يخرج مارد من قمقمه .

وإذ بذاك الرئيس ما كان إلا قمقم يخفي ماردا، مارد علمنا كم هو قزم ذلك الرئيس. وعلّـمنا أول ما علمنا أن ذاك ليس رئيسا. ولا يحمل أي صفة رسمية. فهو دعيّ. وإذ بالمارد خلال أيام يعلّمنا من هي ليبيا. وجلسنا في محراب المارد نتعلم منه ما لا نصدق أننا جهلناه، ولم نحلم أنه كان موجودا طوال الوقت. يعلمنا أننا جهلة ويجعلنا نقولها بدون خجل. يعلما أن هناك مدنا مثل طبرق والبيضاء. وإن هناك مصراته والزاوية. إن هناك جبال منها غربي ومنها أخضر. لقد جعلنا هذا المارد نعرف أين " البريقة " و "راس لانوف " وإن بينهما " العقيلة " .

أعذرينا يا ليبيا. نلتمس منك أن تصفحي عنا، وها هي دموعنا تسيل حسرة على زمن مر علينا. زمن لم نعرفك فيه. لقد دفعت ضريبة الدم يا " مصراته " لكي يعرف العرب والعالم إن هناك مدينة أسمها "مصراته "، أعذرينا يا " الزاوية ". فمهما أرقنا من الدمع فلن نغسل أثم يوم لم نعرفك فيه. اغفري لنا يا ليبيا، اغفري لنا يا ليبيا، فلم يجرم بحقك فقط رئيس لم يحكم. وقائد أجرم بحق بلده وأهله لم يكن هو المخطئ والآثم فقط. بل نحن اشتركنا معه في الإثم. كنا نتندر على مواقفه ونستغرب من أفعاله. وننسى أنه يتلاعب ببلد عربي وشعب أبّي. كنا كمن يشاهد مسرحية كوميدية نضحك ونتندر، ولم ننتبه إنها ليست مسرحية بل حقيقة يعيشها شعب .

ذلك المارد، لم يعلمنا جغرافية ليبيا فقط. عرفنا تاريخها وعرفنا أبطالها وأنهم ليسوا حصرا على شيخ المجاهدين عمر المختار بل عرفنا إن في ليبيا الكثير ممن لا يقل عنه جهادا وبطولة عرفنا " أحمد الشريف السنوسي " . و " رمضان السويحلي " , عرفنا " صالح لطيوش " وأبطال كثيرون . أبطال قالوا "نحن لا نستسلم". وآخرون قالوا "دمي رايب عند الشايب"، اعذرونا إن لم نذكرهم. ليبيا عرفّتنا إنها أرض المجاهدين. أرض أنجبت أبطال على مر التاريخ.

عرفنا فجأة إن هناك علماء ومفكرين وكتاب وأدباء ليبيون. هم أكثر من أن أحصرهم. فجأة وبدن مقدمات ظهروا أمامنا. وكان أعيننا عشت عن رؤيتهم سابقا. يا إلهي كيف مرت العقود ونحن لا نعرف هؤلاء؟؟.

كيف لا نعرف مصطفى عبد الجليل الشيخ التقي الذي وقف للظالم في عنفوان جبروته وقال له "لا أريد أن أكون جزء من دولتك"؟. كيف لم نعرف محمود جبريل، الدبلوماسي المحنك . المدرسة التي يجب أن يتعلم فيها الكثير من الدبلوماسيين ممن هم ملء السمع والبصر؟. فالمارد عرفّنا إن في هذا الشعب كنوزا في كل المجالات، ولكنها كانت مختفية خلف ذلك الأفاك الدعّي.

ولكن أهم ما عرفنا في هذه المفاجئة التي أذهلتنا جميعا. عرفنا " الليبيين". شعب التحدي والصمود. شعب لم يكتفي بعمر المختار فكان فيه الآلاف من عمر المختار. لم يكتفي ب رمضان السويحلي فكان فيه الآلاف من " رمضان السويحلي". ولم يكتفوا بذلك بل أظهروا لنا أمثلة جديدة تنير تاريخنا وتزيّنه. أضافوا دررا في تاج العرب يندر مثيلها. أعطونا بطل ولد من رحم الأمة: أعطونا البطل "المهدي زيو". أعطونا أبطال يعجز القلم عن وصفهم من أمثال " محمد نبوس" فارس الإعلام، و صقر السماء العقيد "فخري الصلابي " والكثير الكثير فإذا أردت أن تعرف عدد أبطال ليبيا اليوم وجب عليك إحصاء سكانها. فكل ليبي بطل وتحت كل سقف في ليبيا هناك أبطال...

أشكرك يا ثورة السابع عشر من فبراير. أعدت إلينا بلدا.. لله كم افتقدناه. وأعدت لنا أخوة لله كم كنا نجهلهم ... وكانوا أعظم و أجل من أن يجهلوا.

ولله لتحبّر فيك يا ثورة السابع عشر من فبراير أسفار تلو أسفار...

اعذرونا أخوتنا إن كنا نخطئ في لفظ اسم، أو نقع في خطأ في موقع... فما زلنا نتعلم في محراب ليبيا.. وسنبقى نتعلم منها..

*مفكر وكاتب مسلم عربي سعودي

الخميس، 1 ديسمبر 2011

ملحمة شعب


على دموية الوقائع وفظاعتها كنا نستيقظ  , وبين الخوف والرجاء كنا نُمضي نهاراتنا العصيبة وليالينا المسهدة , أكف الدعاء مرفوعة وسواعد الدعم ممدودة وجروح الالم مفتوحة , في كل يوم نفقد أحبة وأقرباء تلتهمهم قضبان الظلم وبنادق الطغيان ولاندري من سنفقد غدا ومن سندفن بعد غد , حينها كانت الثورة مازالت تحبو عودها طري وطريقها مفتوحة على كافة الاحتمالات , حينها كانت مدينة بنغازي تحتضن براعم الثورة تمنحها التوهج وترسم خطوات النصر وحولها كانت مدن الشرق ملتفة تمدها بالانفس والارواح والمهج .. حينها كانت مدينة الزاوية كالجمرة المتوقدة  إن أمسكها  النظام أحرقته وأن أطلقها أنهكته وكانت مدينة مصراتة تنزف ألما ودماء وتشع مجدا وشجاعة تحمل العبء الثقيل لتبقى ليبيا واحدة موّحدة .. كانت مدينة الزنتان تحمل شعلة النضال تشعل بها أروقة الجبل وترمي شراراتها في كل مدينة لتلتهب تحت أقدام الطغاة , وكانت مدينة طرابلس عندما تهتز ترتعش أركان النظام الصدئة وكانت ليبيا كلها تئن تحت القضبان تلملم الامال والالام لتنسج درب خلاصها ....... في تلك المرحلة كتبت هذه الكلمات ولأبطال تلك المرحلة في ليبيا كلها أهديها : -

ملحمة شعب

على دروب الندى تمضي عزائمنا         جذلانة فوق نهج الحق تختال

تسمو على قمم الأمجاد شامخة            تظل تُضرب في التاريخ أمثال

تقدم القرابين في محراب عزّتها           ويكتسيها شعاع الفجر سربال

تنشر عبير فخار حيثما اتجهت             يعلو به النصر في الآفاق موّال

فواحة انت  يادنيا إذا اجتمعت             في بردتيك أهازيج وآمـــــال

وعزم شعب أبّي ليس يرهبه          بغي الطغاة ولا اسـتـئـساد تنبال

قد كابد الظلم والطغيان مصطبر ا         لعلّ للصبر بعد الحال احوال

وأنهكته صروف ليس يعبرها              الا حليمٌ قـــوي العــزم حمّال

هي  أربعون من الأعوام كالحة            فيها ترى البغي والطغيان صوّال

فيها النوائب ماانفكت تداهمنـا             قهــــر وغبن وبهتــان وإذلال

فتنبت الأرض قضبانا وأقبيـــة             تختـــال فيها مهاميز وأغـــلال

تغتال نسج الرؤى من قبل مبعثها         وتخنق النور أن يسري وينثال

هي أربعون من الآلام مثخنــة             بكل نزفٍ عميق الجرح قتّال

فكــــل دار بها فقـدٌ يؤرقهـــــا            وكل نفسٍ لها من حزنها حال

وكل حبة رملٍ في مرابعهـــــا             لهـــا حين تلمسها أنٌّ وتصهال

تكاد تنبئك أن الداء منتشــــر              وأنــه موشكٌ أن ينقض زلزال

حتى إذا مرّ من فبراير الشطر             مرور غيمٍ سريع الخطو هطّــــال

ولاح في الافق الشرقي بارقةً              وضّاءةً فوق ماوصفوا وماقالـــــوا

هبّت مدينة بنغازي على وعــدٍ             قاماتها تشعل المجد والتاريخ إشعال

فيكتوي بلظـــــاها كل طاغيـــةٍ            ويهتدي من سنا نورها أمم وأجيال

وتلبس الأرض مانسجت أناملها           وفي حماها يصوغ الفجر أبطـــال

وقام في إثرها من كل نــاحيةٍ              فرسان برقة من طبرق إلى جالـــو

يتســابقون الى أبواب عزّتهم              إن الكـــــــريم لدرب العزِّ ميّــــــال

وجاوبتهم من الزنتان عاصفة              زلزالهـا يرتقي للشـمس أرتــال

ينهال فوق عروش البغي يدحرها         ياويح باغٍ إذا هبّــوا أو انهالـوا

لهم قلوب يخاف البغي سطوتها            ويسطع الحق إن نطقوا وإن قالوا

وفي ذرى الزاوية لاحت بشائره           نصر يطل وموج الموت غــوّال

هم أجّجــوه بأرواحٍ وأفئــــدةٍ              وعانقــــوه وللآجـــال إقبــــال

رجال صدقٍ إذا ماعاهدوا صدقوا                   ومن لك بصدوق العهــد فعّال

وحين يشتد موج البأس ملتطما            فإن فيهـــا لنا درعٌ وسربــــال

مصراتة المجد ماتنفك تبهرنا              على جفون الردى تمشي وتختال

تنقش على جبهة التاريخ ملحمة          يكتظ فيها بطولات وأهــــــــــوال

الراسمون الخطى والنصر يتبعهم         هم الشوامخ ما وهنوا ولامالــوا

جدعوا أنوف طغاة قد حسبناهم           لايجدعون وحال الظلم ختّـــــال

وفي طرابلس حيث الموت أغنية           في كل ناصية تسطوا وتغتــال

لما تململ منها الصدر وانتفضت           فإذا النظام أكاذيب وأسمـــــال

هي العروسة مهما البغي كبّلها            فيها اللقاء وإن طالت بنا الحال

من هاهنا يرتدي التاريخ رونقه            من هاهنا تسطر الأمجاد أجيال

من هاهنا تلبس الدنيا نضارتها             ويكتسي الارض إكبار وإجلال

لثائرين إذا هبّـــوا رأيتهمـــوا             في كــل أفقٍ لهم عرسٌ وموّال

يسعون شوقا لحمراءٍ مضرجة            والشوق أغلب مهما قال عذّال

فالآن حان قطافٌ طالما انتظرت            بزوغ نجمــه أحــلامٌ وآمـــال

فلا تولوا فإن النصـر مرتهـن              بصبر ســاعة لايجلبه معجــال

ونحن قوم لنا في شيخنا مثـل              نصرٌ أو الموت دون الحق منوال



            محمد بن زيادة \ طرابلس \ ابريل -2011