مسيرات انقاذ
بنغازي
الوضع الطبيعي في
أي دولة أن الحكومة والنخبة السياسية تسبق الشعب بمراحل من ناحية الوعي ووضوح
التفكير ومهارة التخطيط والقدرة على التنفيذ في أي مرحلة من مراحل الثورة أو
الدولة ويبقى الشعب يحاول ان يفهم هذه
الخطط والخطوات ويعلق عليها ويبحث عن منافعها ليقيّم الحكومة وأعمالها ولكن أحداث
الثورة الليبية وآخرها وليس نهايتها مسيرات إنقاذ بنغازي (ليبيا) تثبت مرة بعد
أخرى أن الشعب أكثر وعيا ومهارة وقدرة على التخطيط والتنفيذ من الحكومة والنخبة
السياسية وانه يسبقها بمراحل وترسل هذه المسيرات رسالة واضحة وحاسمة الى الحكومة تبين
متطلبات الشعب وعلى الحكومة إما أن تستجيب وتلتقط المبادرة وتتخذ الاجراءات
الصحيحة عاجلا وإلا فإن كرة الثلج ستبدأ تتدحرج وستبدأ المدن الواحدة تلو الاخرى في الخروج لنفس
المطالب وبنفس الآلية التي تطورت بها ثورة فبراير والتي بدأت من هناك وفي هذه
الحالة ستدخل البلد في فراغ أمني أسوأ من الوضع القائم حاليا حيث لن يكون هناك جيش
ولاشرطة مع حل لكتائب الثوار وسيصبح الميدان مفتوحا لكل القوى مع الثورة أوضدها وبدون
ضوابط . ولتلافي هذه الاحتمال المظلم ولتأخر الدولة في تنفيذ المطلوب منها على
قادة الثوار أن يكونوا سباقين للفعل وعدم الاكتفاء بردود الافعال فقط ويجب أن تكون
أهدافهم واضحة للشعب وأن تكون في اتجاه دعم بناء الدولة وأن تكون خطواتهم
التنفيذية مبينة ومعلنة مسبقا ولها إطار زمني وتدعم بناء الدولة ومؤسساتها لإكتساب
ثقة المواطن وغير ذلك يعتبر أهداف وغايات شخصية لاتمتّ لمصلحة ليبيا بصلة وإن دخول
ذوي النفوس المريضة على خط الثورة أفسد صورة الثوار وأربك خطوات الثورة وعلى
الثوار وقادتهم التصرف لتنظيف صفوفهم وصورتهم.
إن إخلاء مقرات
السرايا والكتائب التي لاتعمل تحت شرعية الدولة هو إنجاز كبير يحسب لمدينة بنغازي
ولهذه التظاهرة ونقف له تقديرا لأنه أمر عجزت عنه الحكومة نفسها بصلاحياتها ومواردها
أما التي تعمل تحت شرعية الدولة وتحت غطاءها فإن إخلاءها وبالطريقة التي تمت بها ستكون
له آثار سلبية مؤثرة خاصة إذا لم تتمكن الدولة من توفير البديل المؤهل عاجلا وهو
ما تعجز عنه حاليا فمن الناحية العملية من سيقوم بضبط الأمن الأيام القادمة في
بنغازي.
إن الدولة متأخرة جدا في بناء مؤسسات الجيش
والأمن لأسباب غير واضحة لنا وهذا الامر جعلها تعتمد على سرايا ولجان الثوار
للحفاظ على الامن في المدن وهذا جهد يحسب لهم وإذا نظرنا الى غالبية المدن (باستثناء
البعض منها) في ليبيا فإن مجموعات الثوار في كل مدينة نظموا أنفسهم في سرايا
أوكتائب أو لجان أمنية وتولوا أمر الأمن كل في مدينته ويختلف نجاح التجربة من
مدينة الى أخرى حسب نضج قيادات الثوار وقدراتهم وثقة الناس فيهم وتعاونهم معهم
واقتناعهم بهم وحسب قدرات السلطات المحلية والاجتماعية الاخرى بهذه المدن على
العمل والتنظيم والترتيب والتعاون مع الثوار وهذا هو الخيار المتاح حاليا للحفاظ
على الامن في هذه المدن بطريقة تحافظ على ثورة فبراير وحل هذه السرايا واللجان قبل
ان تجهز الدولة البدائل لاستلام هذه المهام وضم الثوار اليهم على هيئة أفراد سيؤدي
الى حدوث فراغ أمني داخل كل مدينة يمكن أن يؤدي فوضى لايمكن السيطرة عليها في ظل
وجود أكثر من جهة تتربص بهذه الثورة .
وأخيرا فإن
المسؤولية الحقيقية والعبء الأكبر يقع على الحكومة وأجهزتها للخروج من هذا المأزق
إذ يتوجب عليها وضع مخطط زمني قابل للتنفيذ وخطوات عملية واضحة للوصول الى بناء
أجهزة أمن وجيش حقيقية وفعالة وكلما وقف عائق أمام تنفيذ هذا المخطط وفق الجدول
الزمني ولم تتمكن من تذليله عليها أن تصارح الشعب وتبين له العوائق والمسببين لها
وتطلب دعمه وستجده سباقا لدعمها بشكل يرغم كل الاطراف على الانصياع لها وما تجربة
جمعة إنقاذ بنغازي ونجاحها في إخلاء مقرات الكتائب إلا دليل على قوة وقدرة الشعب
على الفعل إذا أراد وأن الحكومة اذا كسبت ثقة الشعب وكانت أهدافهما واحدة حقيقة
لاتصنّعا فسيقف خلفها كقوة ضاربة ترهب كل من يعترض مخططاتها وإجراءاتها علما أنه
بدون بناء أجهزة أمن وجيش حقيقية وفعالة فإن أي حكومة تُشكل وأي برنامج تعرضه لن
يساوي الحبر الذي كتب به لأنها لن تتمكن من فرضه وتنفيذه وتجربة حكومة الكيب مثال على
ذلك وستظل ليبيا تراوح مكانها وتُسحب تدريجيا الى نفق مظلم من الفشل والفوضى والصراعات
حتى إذا دخلته فلا يعلم أحد متى ستخرج منه .
فالله الله في ليبيا ياشعبها وياثوارها وياحكومتها وياكل
من ساهم في ثورة فبراير بالسلاح أو بالجهد أو بالمال أوبالعلم لقد أنجزتم ما كنّا
نعتقد أنه الجزء الأصعب فلا تتراخوا في إكمال المشوار بنفس الروح التي عهدناها
فيكم أيام الثورة روح العطاء قبل الاخذ وروح التضحية والايثار دون انتظار الجزاء
لأن الجزاء الحقيقي هو أن تقف ليبيا على قدميها دولة شامخة ومعززة يعيش فيها
مواطنوها ينعمون بخيراتها في ظل قانون يساوي بين الجميع وتطمح الدول الأخرى في
صداقتها.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق