مواقف الحكومات تجاه احداث معينة لانجد صعوبة كبيرة في
تحليلها والبحث عن اسبابها لأنها غالبا تعتمد على معطيات يمكن البحث عنها
والاقتراب منها وحتى تحديدها وهي دائما
تبنى على المصالح والضغوط ومتطلبات الاستقرار والاستمرار. أما مواقف الشعوب فهي في
الغالب تنبع من العاطفة وتخرج بشكل تلقائي ودون تصنّع وهذه العاطفة تتشكل وتنمو
عبر تاريخ طويل تتشابك خلاله المبادئ والمصالح والمواقف المشتركة والمتبادلة في
السراء والضراء بين هذه الشعوب داخل وعاء الجغرافيا والتاريخ , وحتى إذا تم
التأثير أو التشويش إعلاميا للتأثير على موقف شعب تجاه حدث ما فإن هذه الغشاوة
الاعلامية لاتلبث أن تنقشع وتتغلب العاطفة الحقيقية التي يبدو واضحا من خلالها
الفهم الحقيقي لآلام ومعاناة وتطلعات كل شعب للآخر.
ومن هذا المنطلق فإن معظم الليبيين يجدون موقف الشعب
الجزائري أو جزء كبير منه تجاه الثورة الليبية محير جدا وكلما حاولنا تحليل هذا
الموقف والبحث عن جذوره وأسبابه وجدنا الأمر غاية في الصعوبة والتعقيد فالشعبين
بينهما تاريخ مشترك ومرّوا بفترات من المعاناة سواء اثناء فترة الاستعمار او الحكم
الاستبدادي المتخم بالفساد مما يحتم على كل منهما أن يفهم الآخر ويفهم احتياجاته
ودوافعه وتطلعاته (كما كان واضحا في موقف الشعب التونسي والشعب المصري خلال فترة
الثورة الليبية) ولكن موقف الجزائريين كان معاكسا لذلك سواء بعدم اعتراضه على
مواقف حكومته اثناء الثورة أو بعدها عندما قامت بإيواء المجرمين الفارين من ليبيا
أوتلك المؤشرات التي تبدو من خلال مواقفه أثناء اللقاءات أو الاحداث الرياضية
وغيرها , إن كافة العوامل تشير الى ان موقف الشعب الجزائري كان يجب الا يختلف عن
موقف الشعب التونسي النبيل ولكن الذي حدث هو العكس وهذا في اجتهادي الخاص ووجهة
نظري راجع في جزء كبير منه الى البناء النفسي للشخصية الجزائرية والدور الفرنسي
الدامي في بنائها ثم الدور الفرنسي الايجابي مع الثورة الليبية , إن العلاقة بين
الجزائريين وفرنسا هي مزيج من الكراهية مع الاحترام والغضب مع الشعور بالنقص
والشعور بالاضطهاد مع الرغبة في الانتقام والجزائري يمارس عادة ذم فرنسا
والفرنسيين طول الوقت ومع ذلك تتملكه رغبة عارمة في الهجرة الى فرنسا والاقامة
بها. وتاريخ فرنسا في الجزائر تاريخ دامي ملئ بالظلم والمجازر والتدمير والاشعاعات
النووية ومخلفات هذه الفترة في اللاوعي الجزائري عميقة الندوب ومؤثرة جدا على
مواقف الجزائريين تجاه الآخرين وإن دخول فرنسا على خط الثورة الليبية هو ما دفع
موقف الجزائريين في هذا الاتجاه حيث كان الجزائريون يحاولون طوال سنين بكل جهدهم
اثبات وترسيخ وتوثيق هذه الصفحات الدامية السوداء من التاريخ الفرنسي بالجزائر
ويغمرهم شعور جارف بأن هذا واجب وطني وان عليهم إرغام فرنسا على تسوية هذا الملف
بطريقة ترضيهم وتنفع لمعالجة هذه الندوب العميقة في الشخصية الجزائرية ولايتقبلون
أن يعمل اي طرف آخر بالتأثير على هذا المسارودفعه في اتجاه مغاير ولذلك فهم يعملون
جاهدين على التشهير بتلك الصفحات المؤلمة ويسعون لتجميع الرأي العام الاقليمي وحتى
العالمي ضد فرنسا فيما يخص هذا الملف ويعملون على الضغط عليها في هذا الاتجاه
وبكافة الامكانيات بما يؤدي الى تقوية عقدة الذنب لدى فرنسا وترسيخها ومن ثم جعلها
تسعى لقفل هذا الملف وتسوية مخلفات تلك الفترة وإرضاء الجزائريين نفسيا وماديا.
ولكن ساراكوزي اقتنص الفرصة وبطريقة ماكرة جدا دخل على
خط أحداث الثورة الليبية بطريقة أثارت إعجاب الكثير من شعوب العالم والمنظمات غير
المدنية ومنظمات حقوق الانسان ومنحت فرنسا الفرصة لمعالجة عقدة الشعور بالذنب تجاه
شعوب المنطقة ولتلميع تاريخها في المنطقة وادراج صفحات بيضاء جديدة تخفف من شدة
سوّاد تلك الصفحات القديمة وهذ يلامس عصب حساس جدا لدى الجزائريين ويعطل آلة الضغط
التي كان الجزائريون يشحذونها ضد فرنسا وفي داخل اللاوعي الجزائري فإن من تسبب في
هذا الحدث ومن أعطى لفرنسا الفرصة للقيام بهذا الدور الايجابي ومهما كانت مبرراته قد اعتدى على ملفاتهم التاريخية
وحقوقهم النابعة من هذا التاريخ وجنى الدعم النفسي والمادي الذي كان من المفترض ان
يكون نصيبهم عند تسوية ملفاتهم مع فرنسا .
على الشعب الجزائري أن يعيد النظر في موقفه هذا ويقوم
بتصحيح موقفه من الثورة الليبية ولا يربط الامور ببعضها بشكل مغلوط لأن مثل هذا
الموقف سينتج عنه شرخ كبيربين جارين لايتوجب عليهما أن يفرطا في بعضهما وأخطاء
الحكومات تذهب آثارها مع ذهاب الحكومة أو استبدالها أما أخطاء الشعوب تجاه بعضها
فربما لايتوقف أثرها أبدا.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق