على ما أذكر أن قرار تعديل المرتبات لقطاع النفط كان سنة الفين وسبعة
ميلادي, وحيث أن هذا القرار عدل المرتبات بشكل جعل من الفارق (متمثلا في العلاوة
الحقلية) بين مرتبات العاملين بالمناطق البعيدة والعاملين بالمدن التابعين للقطاع ذي
تأثير محدودا جدا وغير مغري بالبقاء بعيدا عن الاهل والعائلة فقد أدى ذلك الى حركة
نزوح كبيرة للعمالة المطلوبة بسوق العمل
من ذوي الخبرة والكفاءة (أو لمن لديه واسطة) تجاه المدن الرئيسية المتاح بها فرص
عمل . كنت حينها أعمل في شركة راس لانوف لتصنيع النفط والغازحيث تربينا وترعرعنا فكريا
ومهنيا ووظيفيا وكنت آنذاك قد تجاوزت العشرين عاما من العمل بالشركة , أعوام تشكلت
فيها حياتنا وشخصياتنا وصنعنا فيها عالمنا هناك بما فيه من نجاحات وخيبات واهتمامات
وهوايات وعلاقات ونظرا لبعدنا عن عائلاتنا فإن أحد الركائز الاساسية لعالمنا هذا
وأحد العوامل المساعدة للاستمرار والمواصلة هو عالم الأصدقاء وفي راس لانوف بصورة
خاصة لن تجد بيئة أفضل لتكوين الصداقات فهناك خليط ومزيج رائع من كل مناطق وثقافات
ليبيا وبامكانك أن تجد ما تبحث عنه من شخصيات ونخب ومشارب وأهواء وتشكل عالمك
وصداقاتك كما تريد وتهوى تجد بهم وفيهم الرفيق والأنيس لمواصلة الدرب والعوض والسلوى
لمشاق النأي والبعد.. وبالتالي فقد كان لي عالمي المتنوع من الاصدقاء والخلان ولكن
بصدور القرار المذكور بدأ الاصدقاء والزملاء الواحد تلو الآخر في حمل عصا الترحال
وكنا تقريبا نودع صديقا أو زميلا كل اسبوع أوأسبوعين وكان صديقنا الكابتن عبد
المنعم الخضار هو من يتولى ترتيبات حفل الوداع لزملائنا المغادرين بما يتضمنه من
نشاط رياضي واجتماعي مع تصوير الحدث وتسليم صاحب الشأن نسخة مصورة من حفل وداعه
وكنا نتندر بأن من ينتقل بعد الكابتن لن يجد من يحتفل به .. ومع اقتراب نهاية سنة ألفين وثمانية كان معظم
الاصدقاء المقربين قد غادرونا أو على أهبة المغادرة ونحن نودع وتتراكم في النفس
المشاعر ثم تنبثق وتنساب فكانت الكلمات التالية:
يؤرقني التذكـــر والتنسّــــي ........
وترهقني شجون غدي وأمسي
وتلهو بي تصــاريفٌ ثقــــالٌ .........
تعاند مهجتي وتعيق حدســــي
وتمضي بي على سبــلٍ بعادٍ ........... يُشتّ
ضبــــابهن بريق حسّي
كأن فراق أحبابي سهـــــــام ........... تطارد بـهجتي وتزيل أنســي
وكيف الأنس بعدكم يُنـــــال ........... وكيف يصد سهم الشوق ترسي
وما ترسي سوى الاحباب حولي ........
فإن بعـــــدوا فمـن أين التأسّي
أخي بالعمـــــر أعوام ثقـــال .......... قطعنــــاها
على علـــوٍ ونكس
ودهرٌ بين شطــــــريه أختبرنا ........
يقلبنا على فـــــــــرحٍ وبـــــؤس
يروح بنا ويغدو يا صـــــــديقي ......... على حــــــــالين من أمل ويأس
فكنت كما عهـــــدتك كل حين .....
مؤنس وحــــــدتي وشقيق نفسي
وزندي عند لقيــــــا الحادثات .......
وعند اللافحــــــات وجاء رأسي
فلا قطعت لك الايام وصــــلا ...... ولا حرمتني من قــــــــربٍ وأنس
محمد
مصطفى بن زيادة-2012
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق