كانت مفاجأة من العيار الثقيل عندما أحضر لي أخي الأصغر علي هدية ثمينة لم تكن متوقعة وهي عبارة عن قصيدة (عنوانها اليكم يافرسان الضلالة) والسبب في أن عيارها ثقيل وأنها ثمينة هو أن مؤلفها هو أخي مؤيد السجين حسب معلوماتنا في حينها داخل سيئ السمعة والذكر سجن أبوسليم وقد تحصل عليها أخي علي من احد رفاق مؤيد في السجن (اعتقد أنه من مدينة الزاوية) وكان ذلك قبل أن يأتينا خبر وفاته خلال جريمة 1996 وقد احتفظت بها كتذكار غال من أخي العزيز الذي غيّبه عنا جور الحكام وظلمهم الذي أثكل النساء ويتم الاطفال وزرع الالم والحرقة والدموع في كل بيت ودار ولتبيان القصيدة وقصتها نبدأ بالتعريف بصاحبها.
مؤيد مصطفى بن زيادة من مواليد 1968 ولد بمنطقة ابي ستة قرب جامع ابو كميشة القديم حيث كان منزل العائلة الذي التهمه القانون رقم 4 (حيث تم الاستيلاء عليه وضمه الى مبنى الضمان الاجتماعي الموجود بالمنطقة والذي كان قبل ذلك مقر لشركة الالعاب) ) بعد ذلك انتقلت الاسرة الى منطقة الهاني حيث ترعرع مؤيد فيها ونال الشهادة الابتدائية والاعدادية من مدرسة شهداء الهاني ثم التحق بمدرسة سوق الجمعة الثانوية في منتصف الثمانينات من القرن الماضي وقد تخرج منها بتقدير ممتاز في مجال الدراسة مع تقدير كافة زملاءه ومدرسيه لإلتزامه وأخلاقه وتفوقه وبعد إنهائه للمرحلة الثانوية وحصوله على الشهادة بامتياز التحق بكلية الطب البشري بجامعة طرابلس وهناك شمر عن ساعديه وثنى ركبتيه لطلب العلم والحصول على الشهادة المطلوبة وكلنا يعرف طبيعة الدراسة بكلية الطب وما يتطلبه من وقت وجهد وتفرغ كامل للدراسة وترك ماسواها وزملاء دفعته يعرفونه ويعرفون جده ومثابرته والتزامه ولن أطيل عليكم بذكر مناقبه ودماثة خلقه وذكائه فزملاءه وجيرانه وأقاربه أفضل مصدر لمن أراد أن يستزيد .
عند إنهاء مؤيد للسنة الثالثة من دراسته الجامعية بكلية الطب واستعداده للالتحاق بالسنة الرابعة وكان ذلك في شهر 9 سنة 1990 هجم على بيتنا بمنطقة شهداء الهاني زوار الفجر من الأجهزة الامنية والثورية المتغولة والمستأسدة في تلك الفترة حيث كانت مجرد صلاتك للفجر بالمسجد تهمة قد تفقد جراءها حريتك وحياتك(خاصة اذا كان هذا المسجد هو مسجد الهاني الذي كان في حينها مراقبا بالف عين وأذن من الاجهزة الامنية المتخمة بالمجرمين الجهلة والقساة) وأخذوه مقيدا أمام عائلته بعد أن فتشوا البيت وقلبوا عاليه سافله وأخذو معهم ما وجدوا من كتب وأوراق وغيرها ومن هناك إلى سيئ السمعة سجن أبي سليم وهناك لاقى مالاقى من عنت واضطهاد وقهر وتعذيب وتهم جاهزة تم توزيعها عليه وعلى رفاقه.
وهناك داخل السجن احتك السجناء ببعضهم على اختلاف مذاهبهم وأفكارهم ويبدو أن مؤيداً قد احتك خلال هذه الفترة ببعض المساجين من معتنقي الافكار التكفيرية ولأنه مواطن ليبي بسيط وذو تفكير سليم وحس نقي لم يتشوه رغم ماتعرض له خلال سنوات السجن حيث لم يستسغ الطرح الذي تطرحه المجموعة المذكورة من تكفير واتهام للناس بالخروج عن الدين فرد عليهم بقصيدة عنوانها (إليكم يا: فرسان الضلالة) سفه فيها طريقتهم في التفـــــكير وحذرهم من مغبتها في الدنيا والآخرة وأنكر عليهم استسهالهم تكفير الناس والعلماء وشبههم بالخوارج في حينهم . وأنا إذ أعرض هذه القصيدة عليكم لاأحاول عرضها لمناقشة الجوانب الفنية واللغوية فيها فلذلك وقته وأهله ورجاله ولكن أحاول عرضها كمثال عام على طريقة تفكير معظم الشباب الليبي الملتزم دينيا خلال تلك الحقبة المظلمة من تاريخ ليبيا ولبيان أن معظم من تم الزج بهم في السجون لم تكن لديهم أي ميول للعنف أو تكفير المجتمع أو الحكم وإنما أخذوا ظلما وعدوانا في فترة كان فيها سجن أو قتل امرئ مسلم برئ يساوي قتل بعوضة حيث كانت الاجهزة الامنية والثورية والسجون تحت سلطان أناس ظلمة لايخشون الله ولايهمهم إلا بقاء سلطانهم وتسلطهم ولو باختراع القصص والتقارير والتهم على حساب الابرياء يعملون خارج اطار القانون وبدون ضوابط كأنهم حاطب ليل كل ذلك لإثبات همتهم ونشاطهم وولاءهم للنظام الظالم ولو على حساب الابرياء وكذلك لإخافة النظام من أجل ضمان استمرارهم والحصول على المكاسب التي يسعون لها .
إننا إذا أخذنا المعاني والمفاهيم الدينية المدرجة في هذه القصيدة للإستدلال بها على تفكير مؤيد ومذهبه وطريقة تفكيره الديني (وهذا ينطبق على معظم رفاقه) ثم ذهبنا وأخذنا أوراق التحقيق الذي أجري معه في السجن وماوصل اليه المحققون والتهم التي وجهت إليه لاكتشفنا الفارق البعيد والبون الشاسع والظلم الفادح الذي وقع على هؤلاء الشباب.
وأخيرا وللأسف الشديد فإن مؤيد مصطفى بن زيادة وأمثاله من الشباب الليبي البسيط النقي الناصع الايمان تم تجميعهم عام 1996 في باحة سجن ابي سليم وقتلهم في مذبحة رهيبة تعتبر من أشنع الجرائم في القرن العشرين راح ضحيتها 1269 شاب من خيرة شباب ليبيا فقط لانهم طالبوا بالحد الادنى من حقوقهم .
ولقد ظلت هذه الجريمة مثل الجمرة المدفونة تحت الرماد تقض على الطاغية مضجعه وتستفز نخوة الليبيين في كل ذكرى أو مناسبة الى أن قدر الله زوال ملك هذا الطاغية على أيدى شباب ورجال أشاوس وحرائركريمات فالحمد لله وله الامر من قبل ومن بعد.
محمد بن زيادة- طرابلس
اليكم يا: فرسان الضلالة
مطــــايا الهدى جدُوا المسير وصـــــابروا فلا اختلطت بالســـــــــــالكين المعــــــابر
فــإن المنــــــــــــايا يرتقبن عوابســـــــــا ألا والمطـــــــــايا والحـــــــوايا ضوامـــر
دليلي كــــــتاب الله والحــــــــق غــــايتي وقول رســــــولي نجـــــم من هــو حـــائر
فيارب نجـــــــيني وكــــن في هــــــدايتي وكفّـــــــر ذنــوبي أنت للـــــذنب غـــافـــر
ومن قطـــــع كالليل جـــــــلُ مخــــــاوفي مــــــــن الفتن الظلمـــــاء تعمي البصـائر
وأخوف خوفي من ســــراب الهــــوى إذا تتبعتـــــــه يــانفـــــس والعزم خــــــــــائر
ولاتخش قطـــــــــــاع الطــــــــريق فإنه طــــــــريق الهدى قــد داهمته المخاطــــر
وقطــــــــاع طـــــــرق الحق كثر وكلهم يرومـــون كـــــتم الحـق والحــق ظـــــاهر
فلا تخشــــــهم وامض فسيفـــــهم الهوى وسيفك هــــــــــــدي .. إن سيفــك بـــــاتر
أيــــا فارس الغيّ المبين ورهطــــــــــه وكــــــل غــــــويّ ألجمتـــــــــــه الجرائر
رميت عبــــــــــــاد الله بالكفـــــــــر كلهم فيـــــــارب فاشهـــــــد ما أنا بك كــــــــافر
أأكفـــر ربي وهو ربي وخـــــــــــــــالقي وهل ينكــــــر الرحمن من هو بــــــــــاصر
له نســــــــكي وله صــــــلاتي وقبلتي ومـــــن غير ربــــــــــي لي معين ونــــاصر
فمهلا أخـــــــي مهلا فزعمك منكــــــر وقولك مدحـــــوض وحكمــــــــك جـــــــائر
بـــــــأي كتاب أم بأيــــــــة ســـــــــنة تــــــــرى كفرنــــــــا حــــق؟ وجهلك ظاهر
أم أنــــــــك تبغي أن تبين لنــــــا الذي خفـــــى من كتاب الله والحــــــق بــــــاهر
لزعمك أنك في العقيـــــــدة عـــــــالم لكالمــــــــدعي الأبنـــــــــــاء من هو عــاقر
رميت عبــــــــــاد الله بالكفـــــر كلهم فــــــــــلم تــبق ذا ذنب ولم تـــبق طـــاهر
فويحــــا لكم ويحــــــا وثان وثالــــث وويحــــا لكم ويحـــا وويحـــــا وعاشــــر
رمـــــيت عبــــــاد الله بالكفـــر معتد عـــــــلى المعتدي فاعــــــلم تدور الـــدوائر
فانهــــــــــا تـــــرقى ثم تحصى وتكتب فــــــــــإن ينج نــــاج بـــــاء بالإثم آخر
وتحســــــــب انك في العقيدة صائـــر الا اعلم فانك في العمـــــــاهة ســـــــــائر
اتحســــــــــــب تــكفير الأئمــة هينا فبـــؤ بــــــــه حملا يوم تبلى الســـــــــرائر
إذ الناس ســـــكرى ليس منهم ســـاكر وراءهم يومــــــــا به الهول غــــــــــامر
به الأيد تدلي والجلود شــــــــــــواهد وتكشــــــــــف فيه ماتكن الضمـــــــــائر
وكل أثـــــــــــــــيم فيه يأتي بإثمـــــــه وتظهر اســـــــــــرار وتبدى خـــواطر
تشيب له الولدان من هــــــول ما ترى وذو اللب مذهول ولبــــــــــه حـــــــــــائر
ولاوالـــــــــــد يرجى لكشـــــف بلية وكل وليــــــــــــد للابـــــــــوة نـــــــــاكر
وكل حبيب بل وكل مقـــــــــــــــرب فلا هو مغـــــــــن لا ولاهو ضـــــــــــــائر
الا فــــــــاتق الرحمن واخش عقـــــابه وكـــــــن خـــــــــــادما للحق ليس مكــــابر
لقد جئت إدًا وارتكبت عظــــــــــــــيمة تنـــــــــــــادي بأعلى صوتها وتجــــــاهر
لقد ســــــــار أهل الحق بالحق والهدى وصحب رســــــول الله للحق ناصــــــــروا
الى ان مضى في الدين فوج وآخــــــر واقبل رواد الهــــــــــــوى وتكاثــــــــــروا
فما بــــــــــالهم قد اعذروهم بجهلهم أمــــــــــن جهلهم ام عنـــــدهم رأي آخـــر ؟
فدعني من قول الجهالة والهـــــــوى فـــــــــإن كنت تدريــــــــه فأنت تكــــــــابر
فيا واعيــــــــــــا فاحذر لذيذ كلامهم فإن شـــــــــــباك الصيد بالحــــــــب وافر
يدســــــون ســـــما في الدسامة والغذا وهــل ذاك الا فــعـــــل من هو غــــــــادر
إذا جــــئتهم بالحـــق جـــــاؤا بغيره ولـــــــووا رقـاب النص والنص ظـــــــاهر
فإن كنت لاتعــــــــــذر جهولا لجهله فـــــــإني لجــهلك يـــــــــاأخيُ لعـــــــــاذر
أفرســــــــــــان ركب الغي مهلا فإنني وقفــت أســــــــــــــائلكم أمنكم محــــــاور
أبالخبث والبهتان يؤخـــــــــــــذ ديننا وما الدين الا نهـــــــــــج من هو طـــــــاهر
أمـــــــــان وليس الدين يؤخـــذ بالمنى فســــــــل في أمور الشـــرع من هو خــــابر
ملئتم مكـــــــــرا ثم ملئتـــــــم افـترا وعـــــــــن كنهها دومــــا تدل المظــــــــاهر
أيأوى فراش في خــــيوط عنــــــاكب ويسكـــــــن في جحـــــر الثعابين طـــــــائر
فكل جميــــــل للجميــــــــــل مصيره وكل خبيث للخبـــــــــــــائث صـــــــــائر
أفرســـان ركب الجهل والغي والهوى قتلتـــــــــــم خيرا وهو بالقســـــــط آمــــــر
لقد ســــــــرتم ســــير الخوارج قبلكم وكل غــــــــــوي إثر ســـــلفه ســــــــائر
تواصــــــوا به ام تلك ســــنة نهجهم فكل غـــــــــــــوي في الجهـــــــالة ســـادر
خزى الله من ســـــــل الحسام مهندا وجهـــــد الفتى في الله لاشـــــــــــك ظــــــافر
فأدحـــض حجتهم وابطل سحــــرهم وبــــــدد شـــــــمل القـــــوم حتى تنـاثروا
جـــــــزاه بها خيرا وثقــــــــل وزنه وكفـــــــر عنــــــــــه ان ربي لقــــــــادر
أخـــــــــي لاتلمني ان اطلت مقالتي فما الشـــــعر الا فيض من هو شـــــــاعر
فهذا نســـــــــــيم من عتابي طرحته فحـــــــــــــاذر فقد تأتيك مني الاعـــــــاصر
مؤيد مصطفى بن زيادة -