الاثنين، 5 ديسمبر 2011

ازمة المثقف العربي والثورة الليبية


أزمة المثقف العربي والثورة الليبية

بقلم: صالح بن عبدالله السليمان*

كان يا ما كان. في زمن من الأزمان. ولكن بخلاف العادة، لم تكن من قديم الزمان بل كان في هذا الزمان وقبل أقل من أربعة أشهر. كانت دولة عربية مختفية عن الأنظار. لا أقول عن أنظار العامة. بل عن أنظار النخبة المثقفة. كنا نمر عليها أثناء النظر إلى الخريطة. فتتخطاها عيوننا .

تتجه الأنظار إلى مصر فهي أرض الكنانة. ثم تقفز العيون والأفكار إلى تونس الخضراء نتذكر أحمد شوقي و الشابّي. ونتذكر تونس العاصمة والقصبة وحركة التحرر وأبو رقيبة. ونتذكر أحمد عرابي والنحاس باشا وعرابي. نتذكر من هذه ومن تلك. نقرأ عنها ولكن ما بينهما مختفي خلف ستارة، لا نعرف عنها إلا أشياء بسيطة، أشياء لا تذكر، أكاد احصرها في عمر المختار وعاصمة أسمها طرابلس ويرأسها معمر القذافي .

لا تزيد عن ذلك. لا نعرف لها تاريخا ولا جغرافيا، لا نعرف لها شعبا ولا عادات حتى اللهجة لم نعرف من كلماتها إلا كلمة واحدة “باهي".

أما رئيسها (أستعمل هذه الكلمة لأني لم أجد كلمة أخرى نصف علاقته بالدولة ). فهو ملء العين والأذن. صوره تملا كل مكان وأفعاله تملا كل أذن. نعرف أن هذا الزعيم متقلب المزاج. أفكاره متطرفة غربية. كنا نتضاحك على ما تتناقله وكالات الأنباء من أقوال أو أفعال. خرج للدنيا بأفكار غريبة لا لون لها ولا طعم وسطرها في كتاب أسماء الكتاب الأخضر، وبنظرية أسماها النظرية العالمية الثالثة. ولا أعلم لماذا سماها الثالثة. هل ليقارع بها الرأسمالية والشيوعية ؟ ولكن أين الاشتراكية أين المادية، أين الإسلام الاقتصادي والسياسي . هل سقطوا من حسابه؟ نظرية نعلم عنها، أنها تثبت أن الرجل رجل وأن المرأة امرأة. وأن الذكر غير الأنثى. وأن من تحزب خان. ولكن نسى قوله تعالى "ألا إن حزب الله هم الغالبون"، أقر رب العالمين بوجود أحزاب. نعرف أزياءه الغريبة. أزياء بكل لون وكل شكل. بعضها شاهدنا مثيل لها وبعضها غريب. عرفنا حارساته الأمازونيات وراهباته الثوريات. عرفنا عنه الكثير. ولكننا لم نعرف الدولة التي يحكمها .

لو سألت أي مثقف عربي أن يكتب لك مقال عن هذه الدولة. لاضطر إلى العودة للكتب يبحث بين طياتها بعض أخبار تلك الدولة ولن يجد عنها الشافي من المعلومات إلا ما يخص مرحلة ما قبل انقلاب القذافي العسكري. أما بعد ذلك اختفت الدولة في عباءة رئيسها فكل شيء هو، وكل عمل هو، هو المهندس وهو المفكر وهو الفيلسوف وهو العالم وهو المنظّر . لذا لو طلبت إلى أي كاتب عربي كتابة مقالات وليس مقال عن رئيسها. لكتبها كلها من ذاكرته.

لقد أخفى ذلك الرئيس تلك الدولة خلف عباءته. لا نرى منها إلا هو ولا نسمع عنها إلا هو.

ثم فجأة يخرج مارد من قمقمه .

وإذ بذاك الرئيس ما كان إلا قمقم يخفي ماردا، مارد علمنا كم هو قزم ذلك الرئيس. وعلّـمنا أول ما علمنا أن ذاك ليس رئيسا. ولا يحمل أي صفة رسمية. فهو دعيّ. وإذ بالمارد خلال أيام يعلّمنا من هي ليبيا. وجلسنا في محراب المارد نتعلم منه ما لا نصدق أننا جهلناه، ولم نحلم أنه كان موجودا طوال الوقت. يعلمنا أننا جهلة ويجعلنا نقولها بدون خجل. يعلما أن هناك مدنا مثل طبرق والبيضاء. وإن هناك مصراته والزاوية. إن هناك جبال منها غربي ومنها أخضر. لقد جعلنا هذا المارد نعرف أين " البريقة " و "راس لانوف " وإن بينهما " العقيلة " .

أعذرينا يا ليبيا. نلتمس منك أن تصفحي عنا، وها هي دموعنا تسيل حسرة على زمن مر علينا. زمن لم نعرفك فيه. لقد دفعت ضريبة الدم يا " مصراته " لكي يعرف العرب والعالم إن هناك مدينة أسمها "مصراته "، أعذرينا يا " الزاوية ". فمهما أرقنا من الدمع فلن نغسل أثم يوم لم نعرفك فيه. اغفري لنا يا ليبيا، اغفري لنا يا ليبيا، فلم يجرم بحقك فقط رئيس لم يحكم. وقائد أجرم بحق بلده وأهله لم يكن هو المخطئ والآثم فقط. بل نحن اشتركنا معه في الإثم. كنا نتندر على مواقفه ونستغرب من أفعاله. وننسى أنه يتلاعب ببلد عربي وشعب أبّي. كنا كمن يشاهد مسرحية كوميدية نضحك ونتندر، ولم ننتبه إنها ليست مسرحية بل حقيقة يعيشها شعب .

ذلك المارد، لم يعلمنا جغرافية ليبيا فقط. عرفنا تاريخها وعرفنا أبطالها وأنهم ليسوا حصرا على شيخ المجاهدين عمر المختار بل عرفنا إن في ليبيا الكثير ممن لا يقل عنه جهادا وبطولة عرفنا " أحمد الشريف السنوسي " . و " رمضان السويحلي " , عرفنا " صالح لطيوش " وأبطال كثيرون . أبطال قالوا "نحن لا نستسلم". وآخرون قالوا "دمي رايب عند الشايب"، اعذرونا إن لم نذكرهم. ليبيا عرفّتنا إنها أرض المجاهدين. أرض أنجبت أبطال على مر التاريخ.

عرفنا فجأة إن هناك علماء ومفكرين وكتاب وأدباء ليبيون. هم أكثر من أن أحصرهم. فجأة وبدن مقدمات ظهروا أمامنا. وكان أعيننا عشت عن رؤيتهم سابقا. يا إلهي كيف مرت العقود ونحن لا نعرف هؤلاء؟؟.

كيف لا نعرف مصطفى عبد الجليل الشيخ التقي الذي وقف للظالم في عنفوان جبروته وقال له "لا أريد أن أكون جزء من دولتك"؟. كيف لم نعرف محمود جبريل، الدبلوماسي المحنك . المدرسة التي يجب أن يتعلم فيها الكثير من الدبلوماسيين ممن هم ملء السمع والبصر؟. فالمارد عرفّنا إن في هذا الشعب كنوزا في كل المجالات، ولكنها كانت مختفية خلف ذلك الأفاك الدعّي.

ولكن أهم ما عرفنا في هذه المفاجئة التي أذهلتنا جميعا. عرفنا " الليبيين". شعب التحدي والصمود. شعب لم يكتفي بعمر المختار فكان فيه الآلاف من عمر المختار. لم يكتفي ب رمضان السويحلي فكان فيه الآلاف من " رمضان السويحلي". ولم يكتفوا بذلك بل أظهروا لنا أمثلة جديدة تنير تاريخنا وتزيّنه. أضافوا دررا في تاج العرب يندر مثيلها. أعطونا بطل ولد من رحم الأمة: أعطونا البطل "المهدي زيو". أعطونا أبطال يعجز القلم عن وصفهم من أمثال " محمد نبوس" فارس الإعلام، و صقر السماء العقيد "فخري الصلابي " والكثير الكثير فإذا أردت أن تعرف عدد أبطال ليبيا اليوم وجب عليك إحصاء سكانها. فكل ليبي بطل وتحت كل سقف في ليبيا هناك أبطال...

أشكرك يا ثورة السابع عشر من فبراير. أعدت إلينا بلدا.. لله كم افتقدناه. وأعدت لنا أخوة لله كم كنا نجهلهم ... وكانوا أعظم و أجل من أن يجهلوا.

ولله لتحبّر فيك يا ثورة السابع عشر من فبراير أسفار تلو أسفار...

اعذرونا أخوتنا إن كنا نخطئ في لفظ اسم، أو نقع في خطأ في موقع... فما زلنا نتعلم في محراب ليبيا.. وسنبقى نتعلم منها..

*مفكر وكاتب مسلم عربي سعودي

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق