الأحد، 16 أكتوبر 2011

ثقافة التنافس


                                                     
تعج الساحة السياسية الليبية الغضة بتوليفة هي أيضا غضة من النخب أو الفرق ذات المشارب والاتجاهات والرؤى المختلفة والتي تحاول ولوج هذا المعترك السياسي كل لتحقيق أهدافه التي رسمها وتحاول كل منها اظهار نفسها كأفضل خيار متاح لقيادة المرحلة القادمة  وأن الآخرين هم الأسوأ كلٌ وفقاً لمعايير ومقاييس وضعها ولاءمها لنفسه ووضعيته ومن خلالها يرى أن كل من عداه غير مؤهل لهذه المرحلة ويجب استبعاده ليصفو الجو السياسي للمؤهلين فقط كلٌ حسب وجهة نظره ووجهته التي يبتغي .

ففي كل يوم تخرج علينا وسائل الاعلام بمختلف أنواعها بتصريحات واتهامات لانعلم حتى مدى صدقها ودقتها وتصدر عن أفراد أو تنظيمات او جهات ضد أفراد أو تنظيمات او جهات أخرى كلٌ يحاول أن يلصق بالآخرين مالذ له وطاب دون حسيب أو رقيب فهذا يطلق الاتهامات ضد محمود جبريل وجماعة المكتب التنفيذي بأنهم علمانيين ليبراليين وعملاء للغرب يجب إقصاءهم لخطورتهم على المجتمع والدولة رغم انهم شاركو مشاركة فاعلة وناجحة بكل المقاييس في قيادة الثورة وبصورة خاصة في الجانب السياسي وجلبوا لها مكاسب تحسدنا عليها الثورات الأخرى التي شكلت مجالس عساها تتمكن من النجاح مثلنا . ومن جهة أخرى فهناك جماعة الاخوان المسلمين المتهمة بأن أعضاءها يريدون التسلق على دماء الشهداء ويطالب بإخراجهم من الساحة رغم أنهم جزء من المجتمع الليبي ويضم تنظيمهم جزء من الطبقة المثقفة والمتعلمة ولديهم تنظيم جيد شارك بفاعلية في دعم الثورة ونجاحها سواء في الميدان أو في ساحة الاعمال التطوعية والمنظمات الخيرية التي كانت هي العصب الذي يمد الثوار بمتطلباتهم في ميادين القتال . أما المجالس المحلية فحدث ولاحرج عن ما الصق بها من مساوئ في طريقة تشكيلها وعملها وأعضاءها رغم أنها تشكلت في ظروف نحن أعلم بها وأن هؤلاء اعضاءها كانوا من قيادات الثورة السباقين وساهموا في نجاحها في كافة مراحلها . أما عبد الحكيم بلحاج فيتوجب عليه أن يحمل عصاه ويرحل فورا لأن أهدافه غامضة من وجهة نظر معارضيه فهو كان من قادة الجماعة الليبية المقاتلة وتاريخه يثير التوجس وقد يقود الثورة نحو التطرف  رغم أنه ورفاقه قد أوضحوا منهجهم وتفكيرهم في مراجعاتهم الشهيرة ورغم أنه شارك في جبهات القتال وله قدرات عالية ساهم بها في الثورة أما الدكتور علي الصلابي فهو متهم بأنه يريد أن يتدخل في كل صغيرة وكبيرة وسرقة الثورة وادعاءها لنفسه  بالاضافة لأنه يتعامل مع جهات خارجية رغم أنه من العلماء المسلمين الذين يشار لهم بالبنان خاصة في مجال التاريخ والحضارة الاسلامية وتاريخ الامم والشعوب ومشاركته ستكون بناءة وفعالة بحكم علمه ومعرفته وعلاقاته ويمكن أن يفيد الدولة في مرحلة البناء كما أفاد الثورة بعد اشتعالها من خلال حركته الدؤوبة واتصالاته بالداخل والخارج ومشاركته في الكثير من تفاصيل هذه الثورة المباركة أما مايخص قادة الثوار الذين يضعون أرواحهم على أكفهم وينطلقون في ميادين القتال يصنعون البطولات والعجائب فهم متهمون بأنهم غير محنكين سياسيا  وليس لديهم خبرة في إدارة شؤون الدول رغم أنهم يصنعون النجاح في أصعب وأحلك الظروف والأولى أن يكونوا قادرين على صناعته عندما تهدأ الظروف وتتحسن ويجدون أنفسهم في مناخ أكثر هدوءا وراحة وهكذا دواليك لبقية المجموعات الموجودة من سلفيين وحزبيين ومستقلين ..... تنطلق مصطلحات التخوين والاقصاء والاستبعاد وكأننا إذا ابعدنا هؤلاء سنجد آخرين متوفرين وجاهزين للعمل .

إن هؤلاء هم نتاج مجتمعنا وثقافتنا السياسية التي كانت سائدة ومعظمهم اكتسب خبرته ومعارفه من خلاله وعلينا ان نقتنع بقبولهم جميعا بدون استثناء في الساحة السياسية وفتح المجال لهم ولغيرهم بدلا من محاربتهم بحجة عدم الكفاءة أو بحجة الشرع وأحكامه أوعدم الشرعية........ الخ وهي عناصر قد تكون مع غيرها مطلوبة وعلى كل طرف من هؤلاء أن يبحث عن ما ينقصه منها ويعمل على استكماله  بدلا من الهجوم على الآخرين وتهويل نقائصهم وتضييع الوقت والجهد خلفها إن التغيير الذي يجب أن يحدث لكي نتحرك الى الامام كمجتمع وكدولة هو في الثقافة والعقلية وليس الاشخاص لأنه يتوجب علينا الابتعاد عن ثقافة التنافس السلبي المبنية على الاتهام والتخوين والتي لاتنتج إلا واقع سياسي عقيم يقوم على الهدم والاقصاء ولا ينتج شيئا سوى مجموعات متناحرة غير قادرة على البناء تتربص كل واحدة منها بالأخرى ولا تملك الوقت والجهد للعمل الايجابي البنّاء حتى لو أرادت ذلك.

إن ثقافة التنافس الايجابي المبنية على أن يعرض كل طرف بضاعته والتي تشمل (الرؤيا والبرامج والخطط والاهداف وآليات التنفيذ ..... ) ويسخر وقته وجهده للإبداع فيها واتقانها وتحسينها وتطوير قدراته لتنفيذها فعليا عند اللزوم ستؤدي الى خلق ساحة سياسية ثرية قادرة على الابداع والعطاء وليس التخوين والاقصاء . إن ثقافة التنافس الايجابي تنمي القدرة على نقد الذات وتطويرها وعلى النقد البنّاء للآخرين وليس النقد الهدام إنها تنمي ثقافة لنكسب جميعا وتكسب معنا ليبيا وليس ثقافة يجب أن أكسب أنا وليذهب الآخرون الى الجحيم .

وأخيرا وليس آخرا فإنه علينا أن نتعلم فن العيش مع الآخرين الذين نختلف معهم دون أن نتهمهم بالخيانة والعمالة لاعتقادنا بأننا نمتلك الحق أو القدرة أو المعرفة فهم أيضا يعتقدون ذلك وإلا (فكأنك يابوزيد ماغزيت) وستضيع مكتسبات هذه الثورة المباركة وتتسرب من بين أيدينا دون أن ننتبه ونشعر ونجد أن دماء الشهداء تضيع هباء وهو مالا نريده ونرضاه .

                                                                                        محمد بن زيادة \ طرابلس    

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق